اليمن الثاني في العراق
إبراهيم الزبيدي
إجبار العراق على أن يكون اليمن الثاني العراقي كارثة كبرى أخرى أكبر من جميع الكوارث التي جرّها الإيرانيون على الشعب العراقي وعلى شعوب المنطقة بأسرها بكل الحسابات ووفق جميع الاحتمالات.مخططات إيرانية جنونية في العراق في البداية كانت إيران متهمةً، فقط، بالتدخل في اليمن وبالمسؤولية عن الانقلاب الحوثي وما تبع ذلك من تجاوزات وانتهاكات واعتداءات على الخارج وأخرى على الداخل، ولكن لا أدلة ملموسة على ذلك.أما اليوم، فالعالم كله أصبح يتعامل مع الحوثيين باعتبارهم جناحاً رسميا من أجنحة الحرس الثوري الإيراني، ولكن بثياب يمنية، تموله إيران، وتسلحه بأفضل ما لديها من أسلحة تقليدية ومتطورة، بدءاً بالمسدسات وانتهاءً بالمسيَّرات والصواريخ الممكن تصويبُها على أي هدف سعودي وإصابتُه.ولأنها تعلم أن احتلال الرياض، كما يثرثر بعض قادتها المجانين، أمرٌ أصعب من احتلال البيت الأبيض الأميركي أو الفاتيكان، فإن أهم هدفين من حربها اليمنية هما أوّلا، استنزافُ السعودية وإنهاك جيشها وحكومتها، وإغراقها في هموم حماية أمن مدنها وشعبها.يبدو أن تعيين روبرت مالي قد أوحى لإيران بأن تركيز الولايات المتحدة سوف ينصب على معاودة الدخول في الاتفاق النووي الإيراني فقطوثانيا، منعـُها من التفرغ لمعاونة العراقيين الهاتفين (إيران بره بره) على مقارعة الاحتلال الإيراني لوطنهم، ومقاتلة ميليشياته الطائفية التي تنفذ أجنداته التوسعية في المنطقة، ومدهم بالدعم السياسي والمادي من أجل استعادة استقلال وطنهم وحريته ووحدته وسيادته، باعتبار أن عراقا آمناً مستقراً ومزدهرا هو إحدى ضرورات الأمن السعودي، دون شك، وحالةُ الفوضى والفلتان الأمني وازدياد البطالة وشيوع الجريمة والمتاجرة بالمخدرات وضعفُ الحكومات العراقية المتعاقبة وعجزها عن إصلاح ما يمكن إصلاحه هي كلها عوامل كانت وستبقى خطراً كبيرا على الأمن الوطني السعودي في الصميم.وبذريعة الخوف من عودة داعش إلى الصحراء العراقية المتاخمة للحدود السعودية فكرت إيران قبل سنوات مضت وبالتحديد من أيام حكومة عادل عبدالمهدي، في تأسيس كيان عسكري ميليشياوي في غرب العراق يمهد لإقامة اليمن الثاني العراقي لتكتمل الكماشة الحربية حول السعودية من شرقها وغربها.ولكنها لم تُقدم على تنفيذ هذا المخطط الخطير في سنوات رئاسة ترامب، وذلك خوفا من ردة فعل مشتركة أميركية – سعودية – عربية قد تكلفها الكثير.العالم كله أصبح يتعامل مع الحوثيين باعتبارهم جناحاً رسميا من أجنحة الحرس الثوري الإيراني، ولكن بثياب يمنية، تموله إيران، وتسلحهومع رحيل ترامب عن الرئاسة الأميركية ومجيء الرئيس بايدن، يبدو أن الإيرانيين يفكرون بالعودة إلى ذلك المخطط في إطار أحلامهم باحتلال عواصم عربية أخرى، إضافة إلى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وفي ظل حاجتهم الملحة اليوم لجمع أوراق إضافية للمساومة، خصوصاً بعد إعلان إدارة بايدن وفرنسا عن ضرورة إشراك السعودية في صياغة الاتفاق النووي الجديد.وكانت الأنباء العراقية قد أكدت، قبل شهور، أن قوات الحشد الشعبي قامت في أواخر العام الماضي بعمليات استطلاع واسعة في صحراء النجف وصولا إلى الحدود العراقية – السعودية، شملت مناطق الخناك، اللصف، مقبرة الأربعية، البريت، والشبجة، بذريعة البحث عن قواعد سرية لداعش وتطهير المنطقة منها.ويُرجح المحللون السياسيون والعسكريون الأوروبيون والأميركيون والإسرائيليون أن تعمد إيران إلى نشر قواعد عسكرية ميليشياوية على حدود العراق مع السعودية، معتقدة أن حكومة بايدن الجديدة لن تتدخل كثيرا لمنع ذلك. وهو ما يفسر توقف حملتها المفتعلة، عسكريا وسياسيا، لإخراج القوات الأميركية من العراق.وقد يكون الذي شجعها، وقد يشجعها أكثر في الأيام القادمة، هو تعيين روبرت مالي مندوبا أميركيا متخصصا في الشؤون الإيرانية، وهو المعارض المتشدد لشروط وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو التي كان يقول عنها إنها شروط تعجيزية وتوحي برغبة أميركية في تغيير النظام في إيران، وهو أمرٌ، في قناعته، لا يشجع الإيرانيين على العودة إلى المفاوضات بشأن الملف النووي من جديد.ويبدو أن تعيين مالي قد أوحى لإيران بأن تركيز الولايات المتحدة سوف ينصب على معاودة الدخول في الاتفاق النووي الإيراني فقط، مع تجاهل تام للنشاطات الإيرانية الأخرى في المنطقة.بذريعة الخوف من عودة داعش إلى الصحراء العراقية المتاخمة للحدود السعودية فكرت إيران قبل سنوات مضت في تأسيس كيان عسكري ميليشياوي في غرب العراقمن هنا يترتب على الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وعلى القوى والأحزاب الوطنية العراقية المستقلة، أن يتحركوا عاجلا وجدياً لمنع حدوث ذلك، من أجل عدم الزج بالعراق في أتون حربٍ إيرانية – سعودية لا ناقة له فيها ولا جمل، خصوصاً وأن الرئيسين صالح والكاظمي كثيرا ما تحدثا عن رغبة الدولة العراقية في عدم تحويل الوطن العراقي إلى ساحة لتصفية الحسابات الخارجية.وبكل الحسابات، ووفق جميع الاحتمالات، فإن إجبار العراق على أن يكون اليمن الثاني العراقي كارثة كبرى أخرى أكبر من جميع الكوارث التي جرّها الإيرانيون على الشعب العراقي وعلى شعوب المنطقة بأسرها، وقد تكون أقسى من حرب الثماني سنوات التي خاضها خامنئي مع صدام حسين، ثم شرب في نهايتها كأسا من السم، وتجرع العراق، هو الآخر، كؤوسا من العلقم الذي ما زال العراقيون يدفعون ثمنه الباهظ إلى اليوم.وإذا كانت أحزاب البيت الشيعي منحازة بالكامل إلى إيران، أو عاجزة عن وقف ما تنوي إيران فعله مع السعودية انطلاقا من العراق، فإن على الوطنيين العراقيين الشيعة، أكثر من السنة، وأولهم شباب تشرين، أن يقفوا بشجاعة ضد هذه المخططات الجنونية التي لا تقرها جيرة، ولا شريعة، ولا قانون، ولا دين. فهل يفعلون؟