الجاني الطليق والدولة المحرّمة
د. فاتح عبدالسلام
باتت هناك قناعة في الشارع العراقي، لم يعد مهماً أن نصدّقها أو نكذّبها كليّاً أو جزئيّاً، تفيد في أنّ كُلّ جريمة خطف أو قتل تجري في اطار حق التظاهر السلمي أو حق التعبير عن الرأي أو حق التمسّك بالخيار الوطني وحده، إنّما جناتها سيبقون طليقين بأسمائهم الحقيقية أو المستعارة، ما داموا مرتبطين بجهات أو شخصيات سياسية أو بعموم الدورة المقلوبة التي يدور فيها كيان البلد. من هذا التوصيف يمكن النظر الى مئات عمليات الاغتيال التي حدثت في السنتين الاخيرتين أو قبلهما أيضاً. وهذا يجرّد الدولة من كينونتها القانونية ويحوّلها الى شبح خلف عناوين واهية، مهما كانت برّاقة ليلاً ونهاراً في الاعلام والمجالس السياسية الحافلة.شيوع الاغتيالات والخطف في أي دولة، يعني انَّ الحكم ضعيف وآيل للتفسخ الهيكلي، لاسيما عندما تكون السلطة الرسمية تلاحق ردود الافعال، وليس لها فعل انجازي كامل الأهلية دستورياً، تضع من خلاله المجتمع برمته على جادة القانون الواحد .من الواضح انّ العراق لم يصل الى درجة تطبيق القانون على الفرد والجماعة أو على المدني والعسكري أو على الشرطي و المليشياوي بنفس الدرجة من التساوي. هذا واقع حال، لا مجال الى انكاره، بل انّ انكاره يعني التورط في عملية تكريسه وعدم إزالته. وهو واقع لا تغيّره انتخابات مبكرة أو متأخرة، ذلك أنّ هناك دورة في حياة المجتمع العراقي تحركت منذ سنوات بضغط من عجلات عملاقة كبيرة، تسير عكس بناء الدولة الرشيدة الآمنة، ولا أحد يعلم كم من السنوات التعيسة ستقضي تلك الدورة قبل أن تنتهي، لكن مهما طال الأمد فإنّ لها نهاية ما حتماً، كبقية الدورات التي مرّ بها البلد منذ قيام دولته الحديثة قبل قرن من الزمان .