الدينار.. والمنتج السياسي الرديء
د. فاتح عبدالسلام
الهزّات الاقتصادية والمعيشية ليست جديدة في العراق، لكن معانيها تختلف من مرحلة الى أخرى، ذلك انّ التردي الاقتصادي قبل العام ٢٠٠٣ كان يبرره النظام السابق بسنوات الحصار الظالم وغياب شبه كامل لموارد العملات الصعبة ويحجم النظام طبعا عن ذكر السبب المباشر في حرب الكويت لتلقي فرض العقوبات الدولية، في حين لا يوجد عنوان تعبوي او تبريري أو حتى مصارحة تشخيصية جريئة لشرح أسباب التردي المعيشي للمواطن، في ما يقرب من ثماني عشرة سنة دخل الى موازنة العراق اضعاف مادخل اليها منذ تأسيس الدولة العراقية في العام ١٩٢١. اليوم لا يوجد تصنيع عسكري ولا انفاق تسليحي فوق العادة كما لا توجد قاعدة صناعية او زراعية متطورة ، فما مبررات التردي سوى الخلل في العملية السياسي التي تمثل حاضنة النظام الحالي .وكان قد شهد العراق تقلبات في سعر صرف العملة المحلية منذ الربع الأخير من العام ١٩٩٠ ،حين بدأت القرارات الدولية الاقتصادية العقابية تصدر تباعاً جراء غزو الكويت، حتى تجاوز سعر الصرف امام الدولار الأمريكي ثلاثة آلاف دينار ، وعندما جرى الاتفاق في العام ١٩٩٥ على برنامج النفط مقابل الغذاء بدأ سعر صرف الدينار يتحسن قليلاً، وظل حتى الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان ٢٠٠٣ ، في حدود ٢٣٥٤ ديناراً بحسب نشرة البنك المركزي العراقي. وهو سعر ينتمي الى الغلاء الذي يصاحب زمن الحروب. لكن سعر الصرف مال الى الارتفاع قليلا ، حتى جرى تثبيته مدة طويلة تجاوزت خمسة عشر عاما عند ١٢٥٠، قبل ان يصدر قرار الحكومة العراقية مطلع هذا الأسبوع بخفض قيمة الدينار أمام الدولار الى ١٤٥٠ للبنك المركزي وللأفراد١٤٧٠.وزير المالية برر في بيان هذا القرار بقوله «ان تعديل سعر الصرف هو قرار سياسي للقيادة العراقية وهو قرار يحظى بتأييد القوى السياسية والبرلمانية والفعاليات الاقتصادية التي شاركت مع الحكومة في نقاشات مطولة للتوصل الى هذا الاجراء، بالإضافة الى الجهات الدولية المختصة ومنها صندوق النقد الدولي الذي وعد بتخصيص مبالغ كبيرة لمواجهة انعكاسات الجائحة على الفئات الهشة وهي جزء مهم من برنامج الاصلاح الحكومي.هذا القرار جاء بعد أن عجزت الحكومة عن دفع رواتب الموظفين، وقررت الاقتراض من البنوك الاهلية، وهي بنوك تابعة لجهات وزعامات سياسية حصراً. وفي هذا الاجراء يستمر العجز المالي كبيراً بسبب أحادية الاقتصاد المعتمد على إيرادات النّفط، والفساد الكبير الذي يضرب المفاصل الأساس في الاقتصاد ومنها المنافذ الحدودية البرية والبحرية ، كما انَّ المكاتب الاقتصادية التي استحدثتها المليشيات تجبي أموالاً لا صلةَ لها بوازرة المالية وتفيد منها في تمويل أوضاعها . فضلاً عن المشكلة المالية المزمنة بين بغداد وحكومة إقليم كردستان حول تسليم مبالغ النفط المباع في الإقليم وايرادات المنافذ البرية مع تركيا وايران مقابل تسديد الحصّة المقرة في الموازنة العامة.انّ الدينار العراقي بحد ذاته كيان سياسي مسنود برعاية أمريكية تتجلّى من خلال دخول إيرادات النفط العراقي الى خزانة البنك الفيدرالي الأمريكي ومن ثم يتم التحويل الى البنك المركزي العراقي ، وهذا اجراء يحمي الوارد العراقي من اقتطاعات قد تطالها دول أخرى من جراء ديون سابقة وغرامات كانت مفروضة على النظام السابق.في كل الأحوال، لا توجد خطة واضحة للنهوض بالاقتصاد تصاحب خفض قيمة الدينار، لذلك لا توجد ضمانات لكلام وزير الماليةفي انّ هذا الخفض هو الأخير لقيمة العملة ، كما أنّ حيتان الفساد لايزالون في صدارة المشهد السياسي والعراقيون يعرفون ان أولئك سبب مباشر في افتقار ابرز الدول النفطية بالعالم.