مطبات اقتصاديَّة
عدوية الهلالي
في السنوات الأخيرة، أدى الارتفاع في مستويات المعيشة الى توسيع الاستهلاك الشامل للسلع والخدمات غير الأساسية، ولم تعد المطاعم والفنادق والسفر والسياحة حكراً على البرجوازية الثرية، بل أصبحت جزءاً من أسلوب حياة الطبقة الوسطى، ومن الواضح انه عندما تظهر ازمة، سواء كانت صحية او اقتصادية بحتة، فان هذه القطاعات تكون في مقدمة المتضررين فيتخلى المستهلكون أولا عن الانفاق على التسلية والسفر ووجبات المطاعم والأنشطة الثقافية والاجتماعية، ويمكن أن نلمس ذلك بوضوح عندما نرى المواطن الذي ينتمي الى الطبقة الوسطى وهو يحرص على ألا ينفق الكثير من راتبه او مصدر رزقه قبل أن يتأكد من عدم تعرض مصدر الرزق ذلك الى هزة اقتصادية تزلزل الارض تحت اقدام المواطن وتجعله يعيد حساباته مع كل دينار يطفر من جيبه مرغما، خاصة ان ازمة الوباء الأخيرة جعلت الناس في اغنى دول العالم يبحثون عن اسباب للعيش ويقلقهم أدنى اهتزاز في مستوى النمو، وبعد أن كانت الغالبية العظمى من الناس في الماضي البعيد وفي الحياة الاقتصادية التقليدية تكتفي بوسائل العيش من غذاء ومأوى وملابس ويشعرهم الحصول عليها بالسعادة، لكنهم يشعرون الآن بأن رصيد حياتهم شديد الهشاشة ومعرض للخطر بسبب البطالة او الافلاس .وتتمنى الطبقة الوسطى الآن تحقيق مستوى معيشياً معيناً لتعاود ممارسة طقوس استهلاكها الضروري والكمالي دون أن تتهيب لظهور مطبات مفاجئة تربك خط سير حياتها، لكن تحول ازمة الرواتب الى مصدر تهديد لأمان المواطن تجعل المستهلك العادي يعيش تقشفا اجباريا ويؤجل كل ماعدا الضروريات الى أجل غير مسمى .في بداية ازمة كورونا، كان الخوف من المرض والموت يفوق الخوف من الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الحجر المنزلي واغلاق العديد من مصادر الرزق، وبمرور الأيام، صار الخوف من الفقر هو السائد، فضلا عن التزام الصمت بمواجهة هذا الفقر وتعلم فن انتظار ما تجود به الموازنة المالية من استمرارية للرواتب أو وعود بفرص استثمار ربما تعيد للحياة طبيعتها التقليدية وتجنب المواطن الشعور بأنه ريشة في مهب الريح .