تأملات حول الوعي في العراق
د. نزار محمود
لا يخفى على المتتبعين لأوضاع العراق وشعبه، بالمقارنة مع غيره من بلدان العالم، وفي ضوء ما يمتلكه من امكانات مادية وبشرية، حجم الدمار الذي يعيشه هذا العراق في ضمير وعقول ونفوس واخلاقيات وسلوكيات كثير من أبنائه. وبالطبع، كانت قد شاركت عوامل وأسباب كثيرة قادت إلى هذا الوضع الذي أشرت الى ملامحه، للأسف.وبغية النهوض من هذا الواقع المأساوي يجيء المقال محاولة في القاء الضوء على اشتراطات تحقيق التقدم.ومن أجل ذلك ولأغراض المقال فلابد من تحديد تعاريف اجرائية للمفاهيم التي وردت في عنوان المقال.الوعي: أريد بالوعي قدراً من المعرفة والادراك للحياة في معناها وعلاقاتها ومحركاتها القيمية والسلوكية ومجالات ممارساتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والروحية.
الإرادة: أما ما يفهم تحت مفهوم إرادة التقدم فهو ذلك العزم وتلك الكفاءة في التعامل مع معطيات الحياة والمنجزات البشرية وقدرات إشباعها لحاجات الإنسان المادية وغير المادية من نفسية وعاطفية ومعنوية
.العراق: في حين أن ما أريده بالعراق فهو ذلك البلد المحدد بجغرافيته السياسية الحالية وتركيبات شعبه وألوان أطيافه والممتد بحضارته إلى آلاف السنين مروراً بتاريخه الزاخر.
من هنا تبدأ الحكاية، حكاية التقدم بأبعاده المادية وغير المادية، وبأشكاله المختلفة.في معنى الحياة وفلسفتها؛ولأغراض معالجة الموضوع يصبح لزاماً علينا كذلك أن نطرح على أنفسنا نحن العراقيين، ونستعد للإجابة عنه، تساؤلاً هو: ماذا نفهم من معنى للحياة في قيمتها ومآلاتها ، في اشتراطات سعادتها ومسببات شقائها، في أشكال عيشها ومتاهات ضياعاتها، في علاقات بشرها، وأخيراً في نهاياتها.إن إدراكنا بأننا كائنات بشرية تقضي دورة حياتها التي لا محال إلى نهاية، يشعل في وعينا وينبهنا إلى أن الحياة غير خالدة لأحد في عمره وماله وولده وبقية من آمال زائلة
. فمليارات البشر سبقونا في حياة وإلى نهاية محتومة، لا يبقى منها إلا الذكر الحسن في عمل صالح وسيرة حسنة لم تظلم، ولم تتوان عن عون محتاج أو إيواء عابر سبيل.
ان هذا الوعي بمعنى الحياة يطرح علينا نحن العراقيين أسئلة فرعية ذات صلة أخرى:من أجل ماذا نسعى لظلم بعضنا؟ كم مرة ردعنا وعينا بمعنى الحياة ونهايتها، إلى التدافع في نصرة مظلوم وإعانة محتاج؟ ألا نعي بأن سعادة الإنسان لا تكمن إلا في سكينته وطمأنينته التي لا تتحقق له إلا في عدله في نفسه وإنصافه مع غيره؟ ألم يكفنا زهق أرواح مئات الآلاف من اخواننا، وتهجير الملايين، وإعدام حياة آلاف الأسر من أبناء العراق؟
القيم الاجتماعية:لا يعيش الإنسان لوحده في غابة أو صحراء، بل يعيش في العادة في مجتمع يشارك فيه آخرين بعلاقاته وتخادماته الإنسانية. هذه العلاقات لا بد أن تحكمها اعراف وعادات وتقاليد وقيم. ومع الأيام، وبسبب توسع وتعقد وتداخل مشارب الحياة، تطورت تلك إلى قوانين ونظم وأحكام. وكانت أن انعكست جميعها في سلوكيات ومواقف واخلاقيات أبناء المجتمع، وميزته عن غيره من المجتمعات. وكانت أن لعبت عوامل كثيرة في تكون انماط العيش الاجتماعية تلك في كلياتها، وميزتها عن غيرها، منها عوامل بيئية ومنها عوامل سياسية أو اقتصادية، ومنها سجايا بشرها. إن ما آلت إليه الحالة الاجتماعية في العراق من تفكك وفساد وتشويه في منظوماتها الأخلاقية الوطنية لا يشكل أساساً لأي تقدم، لا بل وأنه قد وأد إرادة ذلك التقدم واستبدله بتخلف أناني متعصب أعمى. من هنا فإنه لا ينفع تفكير في تقدم دون وجود بيئة ينشأ ويترعرع في أحضانها الطاهرة.الأسس والاشتراطات التربوية الوطنية:إن غياب أسس التربية الوطنية وما تزرعه من حب للوطن، بكل ما يعنيه من حميمية بشر وحضارة ومصالح مشروعة وشعور بالانتماء له واستعداد للتضحية من أجله، يحول الوطن إلى بقعة جغرافية صماء وإلى تجمعات كتل بشرية تلهث وراء مصالحها الخاصة بحس غريزي أناني لا تحمل شرف مواطنته. وحيث أن التقدم الوطني هو بناء جمعي وعطاء سخي وعمل مخلص وتعاون وتعاضد وغيرة وكرامة فإنه أحوج ما يكون إلى أسس تربية وطنية صادقة وواعية.التعليم/ التعلم: يشكل التعليم مع التربية ساقي النهوض اللذان يقوم عليهما كل تقدم. فدون التعليم لا ينتظر تقدم ولا يتحقق نمو.
وهنا تلعب الإستقراءات الصحيحة لأهداف البرامج التعليمية وطرق ووسائل تطبيقها دوراً أساسياً في رفع كفاءة مخرجات تلك العملية الخطيرة. إن نظرة على برامجنا التعليمية المهترئة أو المضطربة في عناصرها ومخرجاتها يدلل على ضعف تلك العملية ويفوت علينا الفرصة .