على هامش تأخير الرواتب : أدنى درجات التعويد و التدجين للمواطن
بقلم مهدي قاسم
لعل أسوأ و أخبث سياسة استخدمتها الأحزاب الإسلامية الحاكمة في العراق هي سياسة التدجين والتعويد للمواطن العراقي على قبول الوضع السيء تفاديا للأسوأ ، فمنذ أن سلموهم الأمريكان السلطة بهدف تدمير العراق ، وهم قد إجبروا ــ تدريجيا ـــ المواطن العراقي على أن يرّكز جّل اهتمامه على مسائل خدمية رديئة وسيئة جدا عانت على الدوام من مظاهر تلكؤ وشحة وانقطاع كالكهرباء والماء والصحة وغير ذلك من خدمات كثيرة ذات أهمية ضرورية في حياة المواطن اليومية.
وهي خدمات تعتبر عادية وطبيعية في بلدان أخرى ، غير أنها لم تعد كذلك في العراق ، و بذلك أصبح المواطن العراقي لا يفكر في تحسين نوعية حياته على صعيد الرفاهية والعيش الرغيد ، كأن يعيش في بيت كبير أو أن تكون عنده سيارة و أن يسافر في كل عطلة صيف مثلا.
إنما انحصر جل تفكيره واهتمامه في كيفية زيادة عدد ساعات للتيار الكهربائي في بيته ليكون متوفرا قدر الإمكان ، أو أن لا يكون الماء الذي يشربه أو يطبخ بواسطته طعامه موحلا ، ملوثا ، وعاجا بجراثيم شتى ..
و قبل هذا كان عليه أن يرّكز تفكيره في كيفية الحفاظ على سلامة حياته من كثرة التفجيرات اليومية التي دامت لسنوات طويلة وفق عقد صفقات سياسية خلف الكواليس لغرض تقسيم المناصب والمغانم بين الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية على حد سواء ، طبعا ، على حساب إراقة دماء عشرات آلاف من مواطنين مسالمين وعُزل ..
فكل هذا الحرمان والعوز وسوء الخدمات ، وتلك الفظائع من عمليات قتل و إرهاب قد جرى عبر عملية تدجين وتعويد طويلة ، أي يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وسنة بعد أخرى حتى تعوّد وتطبّع المواطن العراقي على هذه المعاناة بحيث غدت ” عادية ” بالنسبة له مسألة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة و عدم وجود ماء صالح للشرب أوعلاج سيء في المستشفيات .
بعدما تعب من شكاوى و استنكار و احتجاج عقيم ..والآن بعدما تأكدوا من ذلك تماما ، أخذوا يجرّبون الآن صبر المواطن من ناحية التلكؤ في دفع الرواتب نحو محاولات تعويده على هذا الأمر أيضا !
بعدما نهبوا وأهدروا و بشكل منظم ــ بمعنى الكلمة ــ المال العام وتركوا ـــ منذ سنوات طويلة ـــ خزينة الدولة فارغة تصفر فيها عواصف الإفلاس ، بحيث تضطر الحكومة الحالية للاقتراض من أجل دفع رواتب الملايين من الموظفين ، بعدما هبطت أسعار النفط مجددا و باتت عاجزة عن تمويل و تغطية رواتب الموظفين ..شيء خرافي و غير معقول فعلا عملية التدجين هذه !..
بينما حتى في دول أفريقية فقيرة تجري عملية دفع الرواتب للموظفين والمستخدمين بشكل منتظم على الرغم من كونها لا تملك ثروات نفطية كالعراق .