الاولى نيوز / مقالات
ظواهر و خرافات و عادات في عاشوراء / بقلم فؤاد الموسوي ——— نقولها و بكل مرارة بأن الشعائر الحسينية لم تعد كما كانت بالأمس القريب أي قبل ما يقرب بضع عقود من الزمان . إذن مالذي تغير و ماذا طرأ على تلك الشعائر المقدسة خلال تلك الفترة ؟ بكل صراحة يمكن لنا القول بأن الشعائر تتعرض إلى عملية غزو ثقافي و قرصنة فكرية ادت إلى تجريدها من اهدافها و اطارها العقائدي و افراغها من محتواها الروحي لتبقى مجرد شعارات فارغة و مظاهر براقة و طقوس روتينية هي أقرب إلى طقوس الهندوس و البوذيين و القبائل البدائية التي ما زالت تعيش في احضان الجهل و الضياع . إن ما يحدث لا يمكن السكوت عليه مطلقاً لأن تلك الممارسات الخاطئة قد استفحلت و أخذت منعطفاً خطيراً له تداعياته و آثاره السلبية على المذهب الجعفري لا بل على الدين الاسلامي كله . مثلاً على سبيل المثال ظاهرة التطبير أي ضرب الرؤوس بالسيوف أو السكاكين حتى تخرج الدماء أي بكل إختصار إحداث جرح أو شق في الرأس حتى ينزف . لا أدري من أين جائت هذه العادة الجاهلية الدخيلة التي لم يرد ذكرها لا في حديث نبوي و لا في أحاديث أئمتنا المعصومين . انها بكل إختصار بدعة جديدة هدفها هو تشويه الشعائر الحسينية المقدسة و زرع فتنة ما بين أبناء المذهب الواحد و إظهار المذهب الشيعي بأنه مذهب بدع و أضاليل و خرافات بعيداً كل البعد عن الأساليب الحضارية في طريقة إحياء الشعائر الدينية . الأسوء من ذلك كله هو تطبيق تلك العادة الهمجية على الأطفال الرضع من قبل آبائهم أو ذويهم حتى تدمى رؤوسهم ، و لكن ما هو ذنب الأطفال لكي يتم عقابهم بتلك الطريقة الوحشية البربرية ؟ انها بحق جريمة ترتكب بحق الطفولة البريئة إنه الارهاب بعينه . هل أراد الحسين (ع) لنا أن نعذب أنفسنا و أطفالنا و أن نلقي بأنفسنا إلى التهلكة ؟ كلا ثم كلا .. انما جاء الحسين (ع) لطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله (ص)، لقد جاء الحسين (ع) لكي يقضي على الجهل و البدع و الخرافات و كل ما هو بعيد عن رسالة السماء ، أما هؤلاء الخرافيون انما جاؤوا لأحياء العادات الجاهلية التي اندثرت بعد ظهور الإسلام . الاسئلة المطروحة هنا هي : عندما كان أئمتنا الأطهار عليهم أفضل الصلاة و السلام يقيمون مجالس الحزن و العزاء على سيد الشهداء ، هل كانوا يطبرون رؤوسهم بالسيف و يضربون أنفسهم بالسلاسل و السكاكين ؟ ماذا عن علمائنا و مراجعنا العظام الأحياء منهم و الأموات، هل كانوا يطبرون رؤوسهم و يجرحون أنفسهم ؟ ماذا عن خطباء المنبر الحسيني ، هل سمعنا أو شاهدنا احدهم قد طبر نفسه ؟ إن الجواب على تلك الاسئلة واضح و معروف لدى الجميع أي لا يحتاج إلى بحث و تدقيق اللهم إلا إذا أراد احدهم أن يجادل في أشياء ما أنزل الله بها من سلطان . هناك ظواهر أخرى قد ظهرت في الأونة الاخيرة ألا و هي المشي على الجمر أو تقليد الكلاب أو الإنغماس في الطين أو الزحف على الأرض و ضرب السلاسل و الزناجيل . أما الروايات و القصص الخيالية التي يرويها بعض خطباء المنبر الحسيني فحدث و لاحرج حيث حولوا مأساة كربلاء إلى حكايات خيالية من حكايات ألف ليلة وليلة و قد أختزلت تلك الروايات في ذاكرة الأجيال و أصبحت و كأنها الواقع أو الحقيقة المطلقة حيث لا جدال و لا نقاش فيها حتى و إن رفضها العقل الباطني و الشعور الفطري السليم . كلنا يعلم بأن فاجعة كربلاء لم تكن قصة خيالية و انما كانت حقيقة تاريخية حدثت في زمن ليس ببعيد نسبياً حيث كانت عوامل النصر فيها تخضع للأسباب الكونية و الحكم الإلهية. إذن يجب أن يكون هؤلاء الخطباء واقعيين بعض الشيء حتى يمكن لهم تجسيد مبادئ تلك الثورة العظيمة على أرض الواقع . إن الهدف من الشعائر الحسينة هو إستلهام معاني البطولة و الإيثار و التضحية و الدفاع عن الحق و العدل و رفض الظلم و هذا هو ما أراده سيد الشهداء (ع) من ثورته الخالدة ، لا يريد منا الحسين (ع) أن نذرف دموعنا و نلطم على خدودنا و نشق جيوبنا بلا أراد لنا أن نكون مع الحق ،أن ندافع عن الحق و أن نقاتل الباطل و أن نرفض الظلم و الظالمين ، أراد لنا أن نجسد مبادئ الاسلام الحنيف بكل معانيه ، أراد لنا أن نبتعد عن سفك الدماء بغير حق و أن نبتعد عن الكذب و النفاق و السرقة و الفساد الإداري و الاجتماعي و الرشوة و النصب و الاحتيال و كل ما هو بعيد عن أخلاق و تعالم الإسلام المحمدي الأصيل . بالإضافة إلى ما تقدم ذكره من ظواهر سلبية و بدع و خرافات جاهلية ، هناك بعض العادات المكروهة و التي يمكن لنا أن نعبر عنها بالغير حضارية قد انتشرت كثيراً بالفترة الاخيرة و لابد من التطرق إليها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو من باب النصيحة إن صح التعبير . مكبرات الصوت العالية ، على سبيل المثال، تعد من العادات الغير حضارية إذا زادت عن حدها و بالغ الناس في استعمالها إلى درجة إزعاج الاخرين و تكدير صفو عيشهم و راحة بالهم . مثلاً أن يقوم أحد الأشخاص بتشغيل تلك المكبرات و بصورة عالية خلال ساعة متأخرة من الليل أو عند الصباح الباكر و هذا ما لا يرتضيه دين و لا عقل سليم . بعض الناس تريد أن تنام أو ترتاح ، البعض منهم ربما يكون مريضاً ، و بعضهم لديه أطفال صغار تريد أن تنام . و هل يرضى الحسين (ع) أن نزعج الناس بإسمه ؟ لا أعتقد ذلك. مثال آخر هو عدم مراعاة قدسية الشعائر الحسينية أي بمعنى آخر إنعدام التأسي بفاجعة كربلاء بالمعنى الصحيح أي إن نرى مظاهر الفرح و الإبتهاج و الزينة و الضحك و اللعب و كأننا في عرس أو مهرجان كبير . و هناك من يفعل الأشياء المحرمة و الغير أخلاقية أثناء العزاء و أمام الملأ من الناس و هذا بحد ذاته هو تشويه للشعائر و الطقوس المستوحاة من الثورة الحسينية . و هناك الكثير من المظاهر و العادات السلبية ، لا يسعنا المقام أن نذكرها هنا، قد بدأت بالنمو و الظهور و الترعرع خلال السنوات الأخيرة ، لذلك يحب استئصالها قبل أن تتحول إلى ثقافة متجذرة في نفوس بعض الناس يصعب أو يستحيل قلعها فيما بعد.