بين فترة واخرى تظهر جماعات دينية “شيعية” تميل للتطرف والعنف تثير كثيرا من التساؤلات عن أسباب تكوينها أو اهدافها، من أبرز تلك المظاهر وأخطرها على المجتمع العراقي ما بات يُعرف بـ “السلوكية” التي برزت في 2007 وأخذت بالانتشار حاليا في صفوف أبناء المناطق الجنوبية اعتمادا على رؤية دينية تقول بضرورة الإسراع بخروج إمام الزمان المهدي المنتظر عند الشيعة الامامية.
ويقول مختصون في شؤون الجماعات الدينية ان السلوكيين جماعة متطرفة ظهرت في تسعينات القرن الماضي، مدعية، مثل “جند السماء” التي ظهرت في 2007 انها تمهد لظهور الإمام المهدي، وهذه الجماعة ترفع شعار “الفساد والإفساد في الأرض حتى ظهور المهدي. وتشجع على القتل والسلب والنهب وزواج المثليين والزنى بالمحارم وغيرها.
فرع القاعدة في الجنوب
و كشف مصدر امني رفيع بمحافظة ذي قار، عن ان “جهاز الاستخبارات فكك، مطلع الشهر الجاري، تنظيم (السلوكيين) بمناطق الشطرة والدواية والغراف في شمال ذي قار كما ان الاجهزة الامنية اعتقلت 20 شخصاً ينتمي لهذا التنظيم المتطرف”.
ويضيف المصدر لـ (الاولى نيوز) ان “المتهمين الان هم قيد التحقيق، وسيتم احالتهم الى القضاء بعد اكمال اوراقهم التحقيقية لينالوا جزاءهم العادل، وهذا التنظيم هو الثاني من نوعه الذي يتم تفكيكه خلال فترة اسبوع بعد تنظيم (يد الله) في ذي قار”.
وينبه المصدر، الذي رفض الكشف عن نفسه الى ان “من أبرز المدن التي تنتشر فيها ظاهرة السلوكيين مناطق الكوت والسماوة والديوانية والعمارة والناصرية، وواحدة من أبرز الأفعال التي يتحدث بها أهالي مدينة الكوت، والتي قام بها أفراد هذه الجماعة، خروجهم عراة إلى الشارع حيث قاموا بتأدية الصلاة، مما أثار ردود أفعال غاضبة بين الأهالي”.
ويتميز الوضع الامني في الناصرية، بحساسية شديدة نظرا لوجود سجن “الحوت” وهو أكبر السجون في العراق التي تضم معتقلين بتهم الارهاب وأزلام النظام السابق.
من جهته، أكد رئيس اللجنة الامنية في ذي قار، جبار الموسوي في تصريح صحفي ان “الاجهزة الامنية تمكنت بمناطق شمال المحافظة من تفكيك جماعة المولوية او ما يعرفون بالسلوكية وهي جماعات منحرفة دينياً وعثر بحوزة عناصرها المقبوض عليهم على منشورات واسلحة، وهذا التنظيم يضم قرابة الـ 55 الف عنصر بمحافظات العراق كافة”.
ويضيف ان “الاجهزة الامنية تواجه مأزقاً حقيقياً بالقبض على هؤلاء بسبب عدم تجريم الدستور لهم، تحت طاولة حرية المعتقد، اذ يجب تشريع قوانين تحد من انتشار هذه التنظيمات السرية التي تعادي الاسلام، كما ان هذه الجماعات الدينية المتطرفة هي فرع القاعدة في جنوب البلاد، كون القاعدة تهدف تفجير الاضرحة والمساجد وهؤلاء يهدفون الى قتل مراجع الدين الحاليين واستباحة دمائهم”.
أسباب النشوء
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي، قد نشرت قبل اسبوعين مقطع فيديو يظهر محاولة اعتداء احد الاشخاص على عبد المهدي الكربلائي قبل ان يمنعه الحرس المحيط بممثل المرجعية. فيما ظهرت عائلة المتهم بعد ذلك في لقاءات تلفزيونية وقالت ان الاخير”مختل عقليا”.
وكان قيس الخزعلي، أمين عام حركة عصائب اهل الحق، قد حذر من تزايد نشاط “الحركات العقائدية المنحرفة ” في مناطق الوسط والجنوب بعد انتهاء داعش، فيما كشف عن وجود نوايا للقيام بعمليات اغتيال تستهدف مرجعيات دينية.
واضاف الخزعلي في مقالة نشرتها صحيفة الصباح الرسمية قبل أسابيع، لا اعتقد ان محاولة الاعتداء الاخيرة على ممثل المرجعية الدينية العليا –التي جرت داخل الصحن الحسيني اثناء صلاة الجمعة – انها ستكون بعيدة عن هذه الحركات”.
وحول أسباب نشوء مثل هكذا جماعات، يقول الشيخ رعد الماجد، مدير مدرسة كاشف الغطاء، في حوزة النجف الاشرف، ان “هناك عدة عوامل ادت الى ظهور هذه الجماعات، ابرزها العامل الاقتصادي الذي يفتح المجال والباب واسعاً امام جميع اولئك الذين يريدون التصيد بالمجتمعات الفقيرة، والعامل الاخر هو الديني حيث يتطلب من رجال الدين ان تقوم بدور اكبر في تثقيف الناس بالاسلام ككل وافكاره واهدافه وليس فقط التعليم على الاحكام الشرعية”.
ويضيف الماجد لـ (الاولى نيوز) ان “العامل الاجتماعي هو ايضاً من العوامل الرئيسة التي تسببت بظهور هذه الجماعات المتطرفة، حيث ان المجتمع في الوقت الحاضر يمتاز بضعف البنية الاجتماعية والجهل، وكذلك عدم فهم كيفية استخدام لمواقع التواصل الاجتماعي، لان تلك الوسائل في اللحظة التي كونت مجاميع تتواصل فيما بينها، لكنها قطعاً اوجدت التواصل فيما بينها بالعالم الواقعي”.
ونبه الى ان “هذه الجماعات تبحث عن الانتشار من خلال مخالفة الاراء العامة لذلك تضطر المراجع الدينية الى السكوت عن بعض الحركات ولكن ليس تركها اذ يبقى دور الحوزة من طلاب ومبلغين وواعظين في المجتمعات ورؤساء القبائل والمناطق العامة حاضرا، كما انها تستغل ثغرات دينية لتمرير افكارها واثبات وجودها مثل قضية الامام المهدي، لم لها من تأثير كبير في نفوس الناس، وغياب الرؤية الواضحة في هذا الموضوع وهو ما يسهل على تلك الحركات استمالة الناس”.
آثار الاحتلال
ويرى الباحث الاجتماعي، ارشد العلي ان “تلك الجماعات واحدة من أبرز المظاهر التي أفرزها الاحتلال الأمريكي للعراق في ظل غياب سلطة الدولة والقانون في 2003 وانتشار أفكار دينية متطرفة تدعو إلى إقامة مذهبيات ومرجعيات وإمارات إسلامية كلٌ وفق طريقته التي يرى أنها الحقيقة المطلقة ولا شيء سواها. اذ ان هذه الجماعات أخذت تستغل ظروف البلد المحرجة، والتساهل في الجمع بين إشاعة الخرافة وحمل السلاح، وهناك مَنْ يسلح من خارج الحدود”.
ويضيف لـ (الاولى نيوز) ان “تلك الجماعات تزداد خطورتها بتملك وسائل الإعلام، وسرعة الاتصال، ففي الأزمنة السابقة كان يتواجد الدرويش، والداعي إلى المهدي، والمحارب باسم الجن وغيرهم، غير أن تأثيرهم لم يخرج عن نطاق الوادي أو القرية، أما الآن فقد امتلكوا مواقع في الإنترنت، وفضائيات، وصحف، وإذاعات، ونشر كتب، ومن هنا سيكون التقدم العلمي والديمقراطية سيفا ذا حدين، إذا لم يدعما بضوابط تحمي المجتمع من الانهيار”.
ويعود تاريخ الجماعات الشيعية المتطرفة، في العراق الى ما بعد عام 2006، حيث استهدفت غارة امريكية مطلع عام 2007 مجموعة تطلق على نفسها “جند السماء” في الزركة شمال النجف، واسفرت الحادثة عن مقتل 200 شخص.
وكان زعيم المجموعة قد اعلن بانه “المهدي المنتظر” ، بحسب بعض المسؤولين الشيعة، وخطط أتباعه لاحتلال مرقد الإمام علي في المدينة، واعتقال مراجع دينية تزامنا مع بدء طقوس عاشوراء.