عوائق ومشكلات إجراء إنتخابات مبكرة في العراق
يحيى عبد محجوب
قد يظن ظانٌ أن إجراء انتخابات مبكرة في العراق أمر هين ومتاح لكن القاء نظرة فاحصة إلى الواقع العراقي تجعل الناظر المتفحص يجزم أن إجراءها في وقتها أمر يحتاج إلى قدرات خارقة للعادة وميزات معجزة لمن يكون سببا في إجرائها، ولأن كثيرا من حقائق ملابسات القضية تبقى حبيسة الكواليس، ومغيبة عن الرأي العام، أردت في هذه العجالة إلقاء الضوء على بعض الجوانب التي تكشف حقيقة الأمر وبعض أبعاده لهذا لابد من البدء بأهم مؤسسة في العراق تعطي شرعية لنظامه السياسي الحاكم.برلمان العراق باقٍ ويتمددربما يكون أكثر من نصف ما يعيق الانتخابات متعلق بمجلس النواب العراقي سواء بسبب تركيبته السياسية أم النفعية الشخصية للعديد من أعضائه ولا ننفي وجود الأعضاء الجيدين لكن نحن نتحدث لوصف واقع ملموس، ونشخص باحثين عن حل في الأفق ومع ذلك فان العوائق الأخرى لا تقل أهمية عن العوائق المتمثلة في البرلمان ذاته.
وللنظر إلى أهم عوائق ومشكلات إجراء انتخابات مبكرة وفق الموعد المحدد من السيد رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي نسرد أهم ما وقفنا عليه وسنرى كيف أن حجم الإشكالات ربما يكون أكبر من المتصور وأن تجاوزها بحاجة الى معجزة حقيقية!
أهم المشاكل الحالية:
1- حل البرلمان اذ لايجوز إجراء إنتخابات مبكرة بدون حله قانونيا، وهذا لايتم إلا بتصويت ثلثي البرلمان نفسه بالموافقة! ويرى البعض استحالة حدوث مثل هذا التصويت.
2- قانون الانتخابات وتحديد دوائر المحافظة وعدم وجود تفاهم بين الكتل السياسية، والبرلمان في عطلة تشريعية تنتهي في أيلول المقبل.
3- تعديل قانون المحكمة الاتحادية لإكمال نصابها اذ لا مصادقة على نتائج الانتخابات بدون اكمال النصاب، ولم يوضع هذا الموضوع ضمن الأولية.
4- طواقم المفوضية وقلة الخبرة بعد تغيير المفوضية، فالقيام بعملية انتخابية في بلد مثل العراق بحاجة الى فريق مدرب وصاحب خبرة.
5- الانقسام السياسي ورفض أغلب الكتل الرئيسة إجراء إنتخابات مبكرة بشكل مبطن واعلانها الظاهري لتأييد اجرائها مبكرا أو “أبكر”.
6- موازنة الانتخابات للمفوضية وعدم امكانيتها صرف أي شيء قبل صدور القانون ونشره في الجريدة الرسمية مع اكتمال إجراءات حل البرلمان.
7- تداعيات جائحة كورونا وتوقع حدوث موجة ثانية مطلع العام الجديد.
8- الازمة الاقتصادية العامة للدولة علما أن ما وصلنا عن موازنة 2021 أنها تقتصر على البنود تشغيلية فقط.
9- انتشار السلاح خارج سلطة الدولة، وتغول بعض الأطراف على الدولة علنًا.
إن التأخرفي حل هذه المشاكل سيضع العراق أمام فراغات دستورية مدة أطول وتعطيل للمحكمة الاتحادية، كالذي شهدناه من إيقاف عمل مجالس المحافظات واحداث فراغ دستوري خلافا للدستور الذي نص على اللامركزية ومنع ارتباط مجالس المحافظات بوزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، ولا يعرف احد متى تكون الانتخابات لمجالس المحافظات والمحكمة الاتحادية معطلة لتفتي بالطعون التي قدمتها المحافظات.
قرائن وتأكيدات ومن القرائن التي تؤكد ماذهبنا اليه أن رئيس مجلس الوزراء أعلن عن الموعد واختيار شهر حزيران الذي ترتفع فيه الحرارة في العراق ولا يساعد على المشاركة الفاعلة في الانتخابات ودون تشاور مع الكتل السياسية أو رئيس البرلمان أو رئيس الجمهورية، ذلك واضح من خلال التصريحات المدهوشة والتغريدات المستعجلة للفرقاء السياسيين والمسؤولين وهم شركاء في تشكيل للحكومة الحالية.
كذلك يشاع ويتداول أقوال لبعض النواب من كتل مختلفة في الحوارات البينية غير المعلنة أن الإعلان جاء لكسب الوقت وسيتم تأجيل الموعد مرة أخرى لأسباب لوجستية خصوصا أن المفوضية اشترطت احتياجها لتسعة أشهر من ابلاغها رسميا بالموافقات الأصولية لإجراء الانتخابات لتكون قادرة على إجرائها؛ فضلا أن مدرائها ومفوضيها لايملكون الخبرة لانهم في بداية تعيينهم.
ومن المتوقع أن البرلمان لن ينجز قانون الانتخابات قبل تشرين الثاني ما يعني أن توقيت الانتخابات سيزحف إلى الشهر السابع أو الثامن والصعوبة ستكون أكبر لإجرائها في هذين الشهرين وسيكون هناك عزوف عن المشاركة ما يعني دفع الانتخابات إلى ما بعدهما من عام 2021 وبالتالي نكون على أعتاب إجراء انتخابات في موعدها وليست انتخابات “مبكرة ولا أبكر”هذا على افتراض عدم حدوث أي مشكلة امنية او اقتصادية او كارثة بيئية في العراق خلال العام 2021.
سواء كانت هذه المشاكل حقيقية أم مفتعلة.نسأل الله السلامة للعراق وأهله.واذا كان نصف ما تم طرحه موجودا وبقي بدون حل فإن إجراء إنتخابات مبكرة يكون محالا بل إجراء انتخابات في موعدها قد يكون حلما بعيد المنال.خطر يواجه شرعية العملية السياسيةان الشعب العراقي الذي ضاق ذرعا من هذا الواقع المرير بحاجة إلى مصارحة حقيقية وعدم الرضوخ إلى أطراف تريد تشكيل دولة عميقة تسيطر على الدولة بشكل اسوأ من الدولة العميقة الحالية، قد تكون بعض أفكار هذه المقالة مستفزة؛ لكن غايتها النصح لمن يملك السلطة التنفيذية والتشريعية والرقابية لمصارحة الشعب والتفاهم معه بنشر الوعي وبيان الحقائق والسعي نحو الإصلاح بالخطوات الممكنة لا الهروب إلى المستقبل بدون استعداد لتحدياته.
ان المسؤولية الاخلاقية تقتضي الحفاظ على مشروعية الدولة وشرعيتها، وإن إفقاد الناس الثقة بالعملية السياسية وآلياتها الانتخابية قد يودي إلى ضياع الشرعية، وهذا أخطر ما نخشاه وعلينا جميعا تجنبه والسعي في عدم حدوثه وان فقدنا بعضا من مكاسبنا.نداء ورجاءإلى النخب القانونية والفكرية والسياسية، هذا الشعب ينتظر مصارحته وايضاح الحقائق له فهي مسؤولية تضامنية ولا ننسى جميعنا أنه لا إصلاح سياسي ولا قضاء على الفساد ولا إعمار ولا تنمية بدون تعامل واضح وشفاف.نأمل أن يكون السيد الكاظمي والسيد الحلبوسي والسيد برهم على قدر المسؤولية التاريخية التي قُدّرت لهم ونحن معكم ومع المصلحين نسدد ونقارب.