هُزم تنظيم داعش في العراق، لكن تهديداً آخراً لايزال يسيطر على الدولة العراقية، وهو الفساد الخبيث الذي عانى منه البلد لعقود طويلة، لا سيما بعد الإطاحة بنظام صدام حسين.
الفساد لن يُهزم كلياً، فيجب على الحكومة ان تقتله بشكل ملحوظ في الأشهر المقبلة، لكي تثبت للشعب العراقي أنها ملتزمة بالوفاء اتجاه مسؤولياتها بأمانة، وتحرير الاقتصاد العراقي لتوفير متطلبات شعبها. وأن الفشل في التصدي لهذا التحدي سيعرض الكثيرين للخطر، لذلك فان من مصلحة الولايات المتحدة دعم هذا الجهد مهما كان.
وكان رئيس الوزراء اعلن في 9 كانون الأول، أن تنظيم داعش لم يعد يحتل الاراضي العراقية، والجيش يسيطر على الحدود مع سوريا، وعزل المنظمة الارهابية بهذا الحال ودفع مسلحي داعش خارج الحدود العراقية الذي نتج عنه انتصاراً شاقاً وهو ما توقعه العديد من المحللين. وهذا يعد تصحيحاً للمسار العسكري حين تقهقر الجيش العراقي عام 2014.
جاء النصر على حساب الكثير من الآباء الذين قدموا ابناءهم فداءً للوطن، فضلاً عن ان الانتصار يذهب فعلاً الى رئيس الوزراء حيدر العبادي والجنود العراقيين الشجعان الذين قدموا ارواحهم في حرب برية شرسة. كما يجب الاعتراف بمعاناة الأسر العراقية التي قدمت ابنائها في المعارك. وفي الوقت نفسه، كان التدريب والاستثمار ودور الولايات المتحدة جزءاً حاسماً من الانتصار العام.
حلّ العبادي الى حد كبير مسألة الفيدرالية في شمال العراق، واستغل الانقسامات العميقة بين الفريقين الكرديين المتنازعين، واستعاد قرى شبه خاضعة لسيطرة الاكراد حين دخلتها البيشمركة لحظة ظهور تنظيم داعش في الموصل.
لا شك، أن الاكراد موجوين في نواحي كثيرة من العراق، الى جانب العرب والتركمان والمسيحيين والآشوريين، ويبدو معظمهم يفضلون العيش كجزء من العراق الفيدرالي بدلاً من السيطرة الكردية.
منذ الاستفتاء غير القانوني دوليا وغير المقبول محلياً، قامت بغداد بإعادة الترتيبات الاتحادية مع كردستان. فسابقاً، كانت حكومة اربيل تعلن بشكل صارخ انه بضرورة الحصول على تأشيرة عراقية ضرورية لزيارة اربيل او السليمانية ولا رخصة عمل لبغداد للعمل في المحافظات الشمالية الثلاث.
ولم تحصل بغداد على ايرادات رسوم الأقليم الكمركية المأخذوة من المعابر الحدودية التركية في معبر فيش خابور وابراهيم الخليل. اما الآن فهذا الوضع انتهى.
التغييرات الكردية يبدو احبطت شعبها، وبالمقابل حظيت بشعبية كبيرة ببقية مدن العراق ولاسيما السنة الذين يرون بالمصالحة الحل الوحيد للاندماج بالدولة العراقية.
لكن تبقى المعركة الأصعب التي تنتظر رئيس الوزراء الآن هي كيفية القضاء على الفساد. هذه المعركة على كل حال، هي فرض لسيادة القانون على بلد ظل يتخبط منذ عقود على نحو مطرد بسبب مزيج من الحروب والتردي الاقتصادي وضعف النظم، وارتفاع البيروقراطية والمالية والقانونية.
الاصرار على مكافحة الفساد ومحاربته بصورة شرسة، ضمان للجنود العراقيين الذين حاربوا من منزل الى اخر لاستعادة الموصل وبقية المحافظات التي بسبب الفساد سقطت بيد تنظيم داعش. لذلك على العبادي ايجاد حلفاء حقيقيين، من شأنهم ان يقفوا معه لانه يسيطر ببلد يحاول ارجاعه من الهاوية.
وعلى عكس المعارك لهزيمة تنظيم داعش والابقاء على حكومة كردستان كجزء من الدولة العراقية، دعمت رئيس الوزراء جهوداً كبيرة لابقاء البلاد موحدة، وهذه ادوات يجب محاربة الفساد بها.
دعونا نبدأ بحقيقة، هي أن الدولة العراقية فاسدة جداً، وفي جميع القطاعات وعلى جميع المستويات. اذ يبدأ الفساد في بغداد واربيل، لكنه يتفاوت بين القطاعات والحكومات المحلية. وهو يتجاوز العرقية والطائفية.
ويمكن القول الفساد في كل مكان، بالتعاقد والتصاريح والمنازعات على الاراضي والخدمات والشرطة والقضاء وقطاع النفط الذي يوفر الجزء الأكبر من عائدات العراق. في حين ان المشاريع عادةً ما تأتي في الميزانية ونوعية التنفيذ تعاني بشكل كبير لتعويض الأموال المفقودة بسبب الفساد.
ويصنف العراق بالقرب من اسفل مؤشرات الفساد الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية. وبالنظر الى الحجم الهائل للمهمة، فان اي تقدم يمكن احرازه سيكون بطيئاً.
وهناك دلائل واعدة على أن العبادي جاد في حملته لمكافحة الفساد، ورؤية بعض النجاحات الأولية. اولاً، انخرطت حكومة العبادي في سلسلة قضايا فساد عالية المستوى، معظمها من داخل البيت الشيعي. ومن تلك المؤشرات على مكافحة الفساد، تسليم وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني من لبنان بتهمة الفساد.
ولم يعد حكام بغداد ونينوى والبصرة المحليين في المنصب، فقد تم ابعاد الاولين من مناصبهم، وذهب الثالث هارباً الى الخارج بسبب تهم فساد تلاحقه. كما تمت عزل مدير عام شركة الخطوط الجوية العراقي في شهر آب الماضي بتهمة كسبه غير المشروع.
وفيما يتعلق بالكمارك والتهريب، فان انشاء سيطرة “الصفرة” في ديالى يضمن الآن جمع الرسوم الكمركية على البضائع التي تدخل من شمال العراق وتحديداً اربيل. وصادرت هذه السيطرة حرفياً، اطناناً من المواد الممنوعة بما فيها الأغذية المنتهية الصلاحية والادوية المزيفة، وهذه السيطرة يمكن القول عنها انها طبقت احدى المتطلبات الرئيسية التي فرضها صندوق النقد الدولي.
اخيراً، حملة رئيس الوزراء العبادي لمكافحة الفساد ضرورية لوضع العراق على طريق الاستقرار. ومع ذلك، ينبغي ان لا نكون تحت تصورات الاوهام وان الفساد يمكن القضاء عليه سريعاً، على العكس تماما، فهذه المعركة هي الأشد طولاً ولن تصل الى نتيجة نهائية بسرعة قياسية.