هدوء حذر في لبنان غداة “يوم الحساب”
يسود هدوء حذر العاصمة بيروت صباح اليوم الأحد غداة ليلة صاخبة عاشها اللبنانيون على وقع احتجاجات عمت الشوارع تحت شعار “يوم الحساب” للمطالبة بمعاقبة المسؤولين عن انفجار “الثلاثاء الأسود” الذي راح ضحيته نحو 160 قتيلا وآلاف الجرحى وفاقم النقمة الشعبية ضد السلطات.
ففي صباح اليوم، بدت شوارع بيروت شبه خالية من المارة وسط تأهب من الأمن اللبناني الذي يحاول فرض سيطرته على الوضع المتأزم في البلاد، فيما لا تزال آثار الدمار الذي خلفه الانفجار يفرض بصمته على كل شبر في تلك الشوارع التي اكست بالحزن إثر اليوم المشؤوم.وفي يوم عاصف، تدفق الآلاف من المتظاهرين إلى وسط بيروت وشوارعها وحاولت مجموعات عدة التقدّم إلى المداخل المؤدية للبرلمان، حيث اشتبكت مع قوات الأمن التي ردّت على رشقها بالحجارة عبر إطلاق الغاز المسيّل للدموع. وردّد المتظاهرون شعارات عدّة “بينها “الشعب يريد إسقاط النظام” و”انتقام انتقام حتى يسقط النظام”، و”بالروح بالدم نفديك يا بيروت”. كما رفعت في مواقع عدة في وسط بيروت مشانق رمزية، دلالة على الرغبة في الاقتصاص من المسؤولين عن التفجير.وبينما كانت قوات الأمن تخوض حالة من الكر والفر مع المتظاهرين في وسط العاصمة، عمدت مجموعات في خطوة بدت منسّقة إلى اقتحام وزارات عدة الواحدة تلو الأخرى، أبرزها وزارة الخارجية، التي دخلها العشرات غالبيتهم من العسكريين المتقاعدين.
وتزامن اقتحام الخارجية مع اقتحام مجموعات أخرى وزارات الاقتصاد والطاقة والبيئة ومقر جمعية المصارف التي أضرموا النيران في طابقها الأرضي قبل تدخل الجيش، وأقدم المحتجون على نزع صور الرئيس اللبناني ميشال عون وبعثرة ملفات في عدد منها.ومن داخل وزارة الطاقة التي تتولى قطاع الكهرباء، الذي يعتبرها المحتجون المثال الصارخ للفساد والهدر في البلاد، قال أحد المتظاهرين إن القادة السياسيين “يحكمون لبنان منذ 30 عاماً واليوم لبنان بات لنا”.تلك المواجهات أسفرت عن إصابة 238 شخصا، تمّ نقل 63 منهم إلى مستشفيات للعلاج، بينهم مدنيون وعسكريون، من دون تحديد عدد كل منهما.
وأعلنت قوى الأمن الداخلي من جهتها مقتل أحد عناصرها في وسط بيروت “أثناء مساعدة محتجزين داخل فندق لوغراي بعد أن اعتدى عليه عدد من القتلة المشاغبين، ما أدّى الى سقوطه واستشهاده”. وعلى وقع التحركات الغاضبة، دعا رئيس الحكومة حسان دياب إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة لانتشال البلاد من أزمتها “البنيوية”، وأمهل الأطراف السياسية مدة “شهرين حتى يتفقوا”، معتبراً أن المطلوب هو “عدم الوقوف ضد إنجاز إصلاحات بنيوية حتى ننقذ البلد”.
ومنذ 17 أكتوبر، نزل مئات الآلاف إلى الشوارع ناقمين على الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد ويحمّلونها مسؤولية الأزمات المتلاحقة، إلا أن وتيرة تحركهم تراجعت تدريجيا بعد تشكيل حكومة جديدة ومن ثم انتشار وباء كورونا لتقتصر على تحركات أمام مرافق ومؤسسات.يوم الحسابوتعهدت السلطات في لبنان محاسبة المسؤولين عن الانفجار وعن تخزين كميات ضخمة من نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت منذ ست سنوات من دون إجراءات حماية.وأوقفت السلطات أكثر من 20 شخصاً على ذمّة التحقيق بينهم مسؤولون في المرفأ والجمارك ومهندسون، على رأسهم رئيس مجلس إدارة المرفأ حسن قريطم ومدير عام الجمارك بدري ضاهر، وفق مصدر أمني.
وقدّم خمسة نواب منذ الانفجار استقالاتهم من البرلمان، داعين زملاءهم إلى اتخاذ الخطوة ذاتها.وشهد لبنان الثلاثاء الماضي انفجارا هائلا ناجما عن اشتعال 2750 طنا من مادة نترات الأمونيوم (يعادل 1800 طن من مادة “TNT” شديدة الانفجار) في مرفأ بيروت، ما أسفر عن مقتل 160 شخصا وإصابة ستة آلاف آخرين، وإلحاق الضرر بنصف العاصمة وتشريد أكثر من 300 ألف شخص.
انفجار “الثلاثاء الأسود” أطلق عليه “هيروشيما بيروت”، نظرا لفداحته وشكل سحابة الفطر التي خلفها والدمار الذي لحق به، ما شبهه كثيرون بأنه يضاهي تفجير قنبلة نووية، ما دفع دول العالم إلى الإسراع في تقديم يد العون والمساعدة للبنان والإعراب عن تضامنها معه في هذه الفاجعة التي هزت أرجاء العاصمة.
وأثار الانفجار تعاطفاً دولياً مع لبنان، الذي زاره مسؤولون غربيون وعرب تباعاً وتتدفق المساعدات الخارجية إليه عشيّة مؤتمر دعم عبر تقنية الفيديو تنظمه فرنسا بالتعاون مع الأمم المتحدة، بمشاركة دولية وعربية واسعة.ورغم فرضية أن الانفجار كان “عرضيا” فإن ذلك لم يبرئ حزب الله اللبناني أو يخلِ مسؤوليته عن الحادث، في ظل الحديث عن أنشطته المشبوهة في مرفأ بيروت وحوادثه السابقة المرتبطة بنفس المادة المتسببة في الفاجعة، وكذلك لغز عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال هذه الكمية الهائلة من نترات الأمونيوم الموجودة منذ 2013 رغم مطالبات عدة بإعادة تصديرها والتخلص منها.