الجيش والحرس الثوري.. أذرع الملالي تتناحر من أجل السلطة
في 10 مايو/ أيار الماضي، أعلنت البحرية الإيرانية أن صاروخ كروز أطلقه الجيش “عن طريق الخطأ” تسبب بمقتل وإصابة العشرات من أفراد قواتها كانوا على متن سفينة أثناء تدريبات قرب ميناء جاسك في بحر عُمان.
“نيران صديقة” سرعان ما أكد محللون وخبراء أنها لم تكن كذلك، بل كانت مقصودة من الجيش، وأن الصاروخ كان بمثابة الرسالة الموجهة للحرس الثوري، وهو ما أكد أن الخلافات بين الجانبين تحولت من الخفاء إلى العلن ومن الصراع إلى التناحر المباشر على الهيمنة والسلطة.
تناحر يؤشر لمرحلة جديدة تعاد فيها صياغة التوازنات بين المؤسسات المختلفة للنظام الإيراني، تناغما مع تغيرات لا زالت تتبلور في العمق بانتظار أن تطفو إلى الواجهة.
الخلافات تطيح بالتكتم
التكتم سمة تغلب على النظام الإيراني الذي تصيبه الاختلافات بالذعر ويعجز عن تبين المنحى الإيجابي للمصطلح وفصله عن الخلافات.
كما أن هذا النظام ـ على غرار جميع الأنظمة الدكتاتورية ـ يخشى جيشه، ولا يثق في ولائه لما يسمى بثورة 1979، ما دفعه مطلع الثمانينات إلى تأسيس الحرس الثوري ككيان عسكري مواز.
ولعقود، ظل نظام الملالي حريصا على إظهار التناغم الكاذب بين الجيش والحرس الثوري، وإخماد جميع الصراعات المندلعة بينهما عبر تصفيات داخلية غالبا ما تجري تحت عنوان “التصدي لمؤامرات خارجية ضد إيران”.
لكن، وفي حادثة نادرة، أخرج المساعد المنسق لقائد الجيش الإيراني حبيب الله سياري، الخلافات إلى العلن، وذلك في مقابلة أجراها مع وكالة أنباء “إرنا” المحلية، نشرت مقتطفات منها قبل أن تحذفها في 31 مايو/أيار الماضي، بسبب الجدل الذي فجرته.
وفي تصريحاته، انتقد سياري بشكل لاذع وغير مسبوق الحرس الثوري وتدخله في السياسة والاقتصاد، وتصاعد نفوذه والدعاية الإعلامية لأنشطته، ما استبطن حالة الاحتقان السائدة بأوساط الجيش من الفصائل التي تتخذها طهران ذراع حروبها بالوكالة داخليا وخارجيا.
سياري فضح أيضا الأدوار المشبوهة التي يلعبها الحرس الثوري بالقول: «نحن (الجيش) لا نتدخل في السياسة (…) ونتجنب العمل الموازي»، في تأكيد للمهام القذرة التي يقوم بها الحرس.
مقتل سليماني
خلافات بلغت مستوى التناحر، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا طفت الخلافات للواجهة في هذا التوقيت بالذات؟
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، اعتبر، في ورقة بحثية بموقعه الإلكتروني، أن مقتل قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري، مطلع العام الجاري من أبرز الأسباب.
وأضاف أن “غياب سليماني أنتج فراغا داخل القيادة العسكرية لا يبدو أن النظام نجح في ملئه بعد إسراعه في تعيين إسماعيل قاآني خلفا له”.
ورأى أن توزيع السلطات الواسعة التي كانت ممنوحة لسليماني على أكثر من شخص، ساهم في شرذمتها وخلق تناحر لا مبرر له، ما يكشف في الأثناء إلى أي حد بلغت الخلافات بصفوف الحرس الثوري نفسه.
من جانبهم، يرى محللون مهتمون بالشأن الإيراني أن الجيش لا يريد تفويت فرصة مقتل سليماني والارتباك الحاصل داخل الحرس الثوري عقب ذلك، انتقاما لتهميشه طوال العقود الماضية، مقابل منح الأفضلية للميليشيات التي تأتمر بأوامر المرشد الأعلى على خامنئي.
فمن الواضح أن الجيش يستثمر في ذلك بشكل كبير ومعلن، ما يؤكد أيضا أن خامنئي فشل، بمرحلة ما بعد سليماني، في ضبط حدود التوازن بين فرعي المؤسسة العسكرية، وأنه من المرجح بقوة أن تخرج قيادات أخرى من الجيش لتكشف تفاصيل جديدة عن الصراع.
متابعة / الاولى نيوز