نحو آفاق جديدة لعلاقات العراق مع أشقائه العرب
الكاتب د. عبد الإله بن سعود السعدون
تمر الدولة العراقية في مرحلتها الحرجة الحالية وبكل أركانها بأزمة محكمة الأطراف تهدد وجودها ومؤسساتها الاقتصادية والمالية، وقد تصل إلى عدم إمكانية صرف رواتب ومستحقات منتسبيها وموظفيها للشهور القريبة القادمة، وذلك نتيجة تصفير كل مدخراتها وأرصدتها المالية بفساد وصل إلى درجة النهب والسلب للمال العام بشكل مفضوح، وخلق طرق وبرامج خبيثة لاستهلاك كل مخزون البنك المركزي العراقي ومدخراته من العملة الأجنبية في إطار ما يسمى بسوق بيع الدولار الشهري والذي يذهب بكل أرصدته إلى المصارف الوهمية لتحويله بالتالي إلى بازار طهران في محاولة لتعديل ميزان التومان والريال الإيراني المنهار أمام الدولار عبر استغلال أموال شعب العراق في التبادل التجاري الدولي الإيراني.
وكان من أول أهداف السياسة الجديدة لحكومة الكاظمي اعتماد جملة من القرارات السيادية منها إلغاء هذه السوق الدولارية واعتماد التعامل مع البنوك الوطنية الرسمية لشراء الدولار لأغراض التبادل التجاري!
وقد استبشر أبناء الشعب العراقي بكل أطيافه بتشكيل حكومة مصطفى الكاظمي بعد مسيرة عسيرة طويلة تركت وراءها مرشحين اثنين لم يستطيعا نيل الثقة بتشكيلتهم الوزارية، فقد جرب الدكتور محمد علاوي ولم يفلح لتعنت الكتل السياسية المذهبية في فرض المحاصصة الحزبية لتوزيع الحقائب الوزارية فيما بينها، وتلاه على نفس الدرب رئيس الوزراء المكلف الثاني عدنان الزرفي والذي أعلن اعتذاره عن تشكيل الحكومة قبل أن يعلن اسماء زملائه الوزراء، لكن حظ الكاظمي كان أوفر في تخطي مرحلة نيل الثقة البرلمانية بضغط من صوت الشعب العراقي الغاضب والذي أثبت بدماء متظاهريه وجرحاه أنه مصدر السلطات ومركز القوة لأي حكومة قادمة تتسلم السلطة لإدارة دفة السلطة والحكم بهدف تعديل البوصلة التنفيذية تجاه الوطن العراقي ومصالحه العليا وتسخير كل جهودها نحو هذا الهدف السامي.
إن إعطاء الأولوية في الاستراتيجية الجديدة لحكومة الكاظمي نحو تطوير العلاقات العربية-العراقية ومنحها الأهمية في التحرك السياسي والدبلوماسي والاقتصادي له مبررات عديدة لا تخفى على أي محلل إعلامي يهتم بالملف العراقي.
فمنذ نكبة الغزو الأنجلو-أمريكي عام 2003م استطاع اللاعب الإقليمي الإيراني بمشروعه الطائفي إحداث حالة من الفراغ الأمني بحسب خطة محكمة اعتمدت على إقناع الرئيس جورج بوش الابن بأن الركيزة الأساسية للقبول العراقي بالوجود الأمريكي في العراق يعتمد على طائفة واحدة سموها بحسب مخططهم «البيت الشيعي».
وكان عراب هذا التوجه بين الجانبين أحمد الجلبي وعن طريق هذا التكتل السياسي الطائفي استطاعوا أن يستولوا على السلطة بانتخابات مزورة أنشأوا على أثرها مليشيات مسلحة تحمي هذا المشروع وتدعمه سياسيًا وشعبيًا وأخيرًا استطاعوا تحت مسمى محاربة «داعش» التنظيم الإرهابي صنيعة الأجنبي، أن يسيطروا على شمال وغرب العراق ويركزوا نفوذهم عن طريق مكاتب الحشد الشعبي في تلك المناطق التي عرفت بمناهضتها للنفوذ الأمريكي والإيراني في العراق.
ونتيجة ذلك التحول الديموغرافي والسياسي أصبح التقارب العراقي العربي شبه مستحيل بسبب سيطرة ملالي إيران على القرار الرسمي والشعبي العراقي ومنع أي محاولة للتقارب مع الجوار العربي للعراق وشن حملة إعلامية وسياسية للتشكيك بنوايا أي نوع من التقارب والتعاون العراقي العربي.
لكن هذا كله تحول إيجابيًا بعد اغتيال قاسم سليماني وشل النفوذ الإيراني في الجسد الرسمي العراقي وإدراك الشعب العراقي لمخططات أصدقاء الملالي الفاسدين ونهبهم لثروات الشعب العراقي وتهريبها إلى طهران، وبعد مجيء رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي استبشرت شخصيًا به بمقالين سابقين بعد تكليفه لرئاسة الوزراء لما يتمتع به من استقلالية سياسية وخبرته في مجال العمل الاستخباري الوطني وهو من شهد بعينيه التجاوزات الإيرانية في مؤسسات الدولة العراقية السياسية والاقتصادية والمالية.
وأخيرًا أن الوضع السياسي القلق والمتدهور الذي تعيشه إيران بعد الحظر الاقتصادي الأمريكي وتدهور العملة وتراجع الميزان التجاري سلبًا على صادراتها حتى وصلت إلى درجة قريبة جدًا من الإفلاس وما رافق ذلك من الفوضى الصحية مع انتشار فيروس كورونا لهذه الأسباب مجتمعة فإن إيران اليوم لا تستطيع إقناع أي مسؤول عراقي وحتى أصدقائها بعدم تلقي العراق المساعدة الاقتصادية من العرب أو تحذيرها مرة أخرى من التعاون مع دول الخليج العربي كما كان ساسة النظام الإيراني يروجون بأبواقهم الكاذبة.
لقد أصابت البوصلة السياسية والاقتصادية للاستراتيجية العراقية الجديدة الاتجاه الصحيح بإعطائها الأولوية للجوار العربي، والبدء بالتحرك السريع تحت ظروف غير اعتيادية من خلال زيارة قصيرة ومهمة إلى الرياض قام بها نائب رئيس وزراء العراق ووزير المالية والنفط العراقي عرض من خلالها مجالات التعاون الاستثماري بين البلدين في مجالات الطاقة والزراعة والغاز والصناعات البتروكيماوية والربط الكهربائي.
وقد لقي الشقيق العراقي كل الترحيب والمساندة والدعم من أشقائه في المملكة العربية السعودية لما لها من ثقل إقليمي ودولي في منطقتنا العربية وخبرة واسعة في الصناعة والبتروكيمياويات والزراعة وسيكون التعاون السعودي المخلص للشعب العراقي عبر وضع الأسس والركائز لتعاون مستقبلي واسع بين البلدين الشقيقين وذلك بفتح مجالات الاستثمار والتعاون السياسي والاقتصادي وتنشيط الجهد الدبلوماسي خليجيًا وعربيًا.
ويضاف إلى ذلك تحريك عجلة الصناعة في بلاد الرافدين باستثمارات اقتصادية سعودية وخليجية لتعيد الحياة الاقتصادية العراقية إلى سابق عهدها المزدهر بدءا بالصناعات البتروكيمياوية وتسييل الغاز المرافق للإنتاج البترولي وإنشاء مدن صناعية ومصاف بترولية.
وستشارك في ذلك شركة أرامكو عملاق النفط السعودي والهيئة الملكية للجبيل وينبع وكذلك مشاركة الشركات الزراعية والصناعية الكبرى في محاولة لإحياء عجلة الإنتاج لأكثر من خمسين ألف مصنع معطل ومدمر في العراق منذ الغزو الأنجلو- أمريكي وهي مصانع جرى إهمالها من قبل الحكومات العراقية المتتالية حتى الآن.
والنتيجة الإيجابية المهمة لذلك أن هذه الزيارة وضعت اللبنة الأولى لعلاقات عراقية – عربية تعتمد على الأخوة العربية والاحترام المتبادل تشمل التعاون الاقتصادي والمالي والسياسي في إطار جديد صادق يخدم مصالح كل شعوب المنطقة العربية وأمنها القومي.
إن المشهد العراقي الرسمي والشعبي يتطلع وبآمال عريضة إلى الدور العربي الخليجي لعودة العراق عربيًا وإنعاش اقتصاداته واستقلالية قراره السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد والمفسدين وتوطين أربعة ملايين مهجر ومهاجر عراقي في مدنهم وديارهم وحصر السلاح بيد المؤسسات الأمنية والعسكرية لتهيئة المناخ المناسب سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا للانتخابات المبكرة القادمة والتي تعتبر مطلبًا شعبيًا تبناه المتظاهرون من أجل إحداث التغيير الشامل في المشهد السياسي المستقبلي للعراق المستقل الحر.
{ عضو هيئة أمناء منتدى الفكر العربي
– عضو جمعية الصحفيين السعوديين
alsadoun100@gmail.com