يوم ساحر يُسمع مَن به صَمم
د.فاتح عبدالسلام
ياله من يوم عظيم وساحر يجيء في العام مرةً واحدة، وياليته يطبع صورته وصوته على جميع أيام العام، ذلك اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي أنطق السياسيين والزعامات بكلام يشبه الاحلام الملونة التي ترفرف فوق رؤوس الصحافيين في يوم لا يرجون منه سوى أن يتذكره السياسيون المُتغنون بحرية التعبير اليوم، في أسابيع أو مجرد أيام مقبلة في ما تبقى من العام، حتى نلقى العام الذي يليه، وقت انهمار التهاني والوعود التي اعتادها الوسط الصحافي في معظم البلدان العربية، تلك الوعود ورسائل التأييد التي تتبخر مع أول رأي يحلق قليلاً خارج السرب.الصحافي في كل مناسبة تخصه يكرر أنه لا يريد أكثر من توفير الحرية في الوصول الى المعلومات من دون تعسف وحجب وملاحقة، لأنّ رسالته الحقيقية هي التنوير بالحقائق وليس بالكلام المبعثر في الظلام. وسيكون الصحافي، وأشدّد هنا بالقول الصحافي الذي يدرك معنى مهنته وليس المتطفلين عليها، أميناً على استخدام المعلومات في أماكنها وأزمانها المناسبة تحت شروط مراعاة مصلحة المجتمع وأمنه واستقراره وقوت عيش الناس أولاً وقبل أي شيء.لقد قُتِلَ عددٌ كبير من الصحفيين عبر الاغتيالات المخطط لها، وليس في قصف من نيران عشوائية، ولم تنجح أية حكومة في كشف القاتلين أو الجهات التي تقف خلفهم بالرغم من انّ الدلائل المرئية والمعاشة وأقوال شهود العيان كانت دائماً تختصر الطريق نحو الحقيقة، إلا انّ أحداً لا يقبل الكشف عنها.صحافة قوية تعني أنّ المجتمع متماسك ودولته معافاة والقانون فيه هو السلطة المهابة التي يلتزم بها الجميع من دون الحاجة الى ملاحقة من شرطي.الشكليات المناسباتية باتت تغرق كل شيء وتغطي على الحقوق الاساسية التي يجب أن تؤديها الدول إزاء الوضع الصحفي فيها. هناك تسويف كبير، وعدم ارتقاء النقابات الى مستوى مؤهل في متابعة قرارات الحكومات وسياقات عملها ومواقفها ازاء الاعلام. غير انّ ذلك لا يمنع أن تبقى الصحافة منارةً لا تنحني أبداً برغم تلقيها السهام والطعنات، حتى لو اجبرت على الهجرة، وهجرتها تعني أن المجتمع ناقص الاهلية في توفير مناخ الحرية اللازم لعيشها.