يوجد لدينا مدرّس خصوصي
رعد أطياف
لم تعد ظاهرة التدريس الخصوصي حالة شاذة في المجتمع العراقي، بل أضحت، ربما، أحد مكونات الثقافة الجديدة لعراق ما بعد التغيير. أكثر من ذلك؛ فأينما تولّي وجهك في أزقّة بغداد ستصادفك لافتة صغيرة مكتوب عليها «يوجد لدينا مدرّس خصوصي». في ذروة التعليم الخصوصي، وأعني بها الفترة التي زامنت تغيير المناهج الدراسية، كانت الصياغات الإعلانية مكتوبة بعناية من قبيل «يتوفر مدرّس خصوصي في مادّة الرياضيات». أما الآن فتصادفك الكثير من اللافتات، التي يغلب عليها طابع الكسب السريع، مكتوب عليها «يتوفر لدينا مدرّس لكل الاختصاصات». وهذه اللافتات تُكتَب في العادة لطلّاب المرحلة الابتدائية من قبل حملة الشهادات العاطلين عن العمل. أيّاً كان الأمر؛ فسواء كانت دروس خصوصية جيّدة أم سيئة، فهي قد تعطينا علامة بارزة على فشل العملية التربوية في العراق. أتصور أن الأسباب المباشرة لهذا الفشل هو المشكلات العميقة في ادارة ملف وزارة التربية، وتغيير المناهج المبالغ فيه، وضعف البنى التحتية للمدارس، وتهاون بعض الملاكات التدريسية. هذه الأسباب المباشرة كانت نتيجتها شيوع ظاهرة التدريس الخصوصي. وبتسلسل الأسباب تغدو النتيجة سببا أيضا، فتتحول ظاهرة التدريس الخصوصي إلى مقدمة منطقية لإعادة التفكير بالتعليم الحكومي!. أي ستفكر الأسر العراقية بإرسال أبنائها إلى المدارس الأهلية لتساوي قيمة التدريس الخصوصي بمثيلاته المدارس الأهلية. فلو نظرنا إلى معدل ما تصرفه الأسرة يساوي قيمة الأجر السنوي للمدارس الأهلية، فستكون النتيجة بالطبع الرضوخ إلى متطلبات التعليم الأهلي. وبهذه الطريقة يكون التعليم الخصوصي قد أسهم إسهاماً فعّالاً ومباشراً في إنجاح عملية خصخصة التعليم!. والمدارس الأهلية هي الأخرى تفتقر للشروط اللازمة. فمن الطبيعي للغاية أن تشاهد إحدى رياض الأطفال أو مدرسة ابتدائية أو متوسطة على شكل بنايات ضيقة، التي تفتقر للمساحة اللازمة. بل حتى البيوت تحول البعض منها إلى رياض للأطفال، فأصبح من الشائع والمعتاد أن تشاهد العديد من المدارس ورياض الأطفال داخل الأزقّة. إن شيوع ظاهرة التدريس الخصوصي، والمدارس الأهلية غير المؤهلة بشكل عام، سيؤدي بنا إلى نتيجة منطقية: ظهور طبقة من المدرسين المترفين الأثرياء وعزوفهم عن التدريس الحكومي، والاعتماد على أولياء الأمور في إعداد التلاميذ!، ومن ثمّ اضطرار أولياء الأمور للبحث عن مدرّس خصوصي.. هذه الدائرة المغلقة ستنتج بدورها جيلا حائرا ومُحبَطَاً ستكون آخر همومه التركيز على التعليم. فانقذونا وانقذوا أبناءنا من هذا الوباء.