يا ماء الفرات
يا ماء الفرات – محمد حسن الساعدي
عاش ذلك النهر العظيم خجلاً طوال حياته، ولم يستطع بعد ذلك الظهور أبدا،فلم تكن على قدر المسؤولية في الوقوف عوناً للحسين، وبت تعيش غريباً بعد غربتك مع الحسين وأهل بيته، فقد صاحبك أبو الشهداء أياماً وكان خير الصاحب ، ولكنك لم تكن للصاحب وفيا، فهاهو الحسين وقف ذاباً عن نفسه وعن عياله وأصحابه عن حرم دين جده المصطفى،فلم يكن الإمام الحسين مجرّد قائد عسكري أو رجل مغامر أراد السلطة حتى نتغنّى بقصص مواجهاته الحربية أو مغامراته العسكرية. إنه إمام مفترَض الطاعة.لم يكن يوم عاشوراء مجرد حدث مأساوي تعرض له إنسان برئ وعظيم الشأن أمام حماقة واستبداد وتسلط أعمى، بل هو فكرة شعارها التضحية من أجل الحرية وهدفها السلام والكرامة للبشر في ظل حكومة عادلة لا بغي فيها ولا تجاوز على الحقوق والحريات ،وكانت هذه الفكرة ولا زالت حلم الفلاسفة، ولحن الشعراء والأدباء، وطموح بني البشر بصرف النظر عن أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم وتوجهاتهم الفكرية ، ولكن ليس كل البشر مستعدين للتضحية من اجل هذه الفكرة؛ لأسباب كثيرة أما جهلا أو طمعا أو خوفا… فأراد الحسين عليه السلام أن يضرب للناس مثلا، قل نظيره، في التضحية من اجل ما يؤمن به. فكان الموت في سبيل الحرية كرامة وسعادة، والعيش مع الظلم والعبودية برما وشقاء لا يقوى على تحمله الإنسان الحر.نعم كان الحسين الإنسان حرا تماما وغير مستعد للتنازل عن حريته، لذا لم يستجب إلى الإغراء أو التهديد المنتج للعبودية والممهد للطغيان. ولأن الثورة الحسينية تحمل هذه الفكرة فلا يمكن أن تكون قد حققت أهدافها في ظل تاريخ طويل من العبودية والظلم في بلاد المسلمين وغيرهم، بل ومع وجود هذا الكم الهائل من العنف الذي نراه اليوم بين البشر اتجاه بعضهم البعض لأسباب مختلفة.