مقالات

يانصيب‭ ‬سياسي‭ ‬

فاتح عبدالسلام

في‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬ربحت‭ ‬بطاقة‭ ‬يانصيب‭ ‬بمليار‭ ‬دولار،‭ ‬ومر‭ ‬يومان‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬أيّ‭ ‬شخص‭ ‬انه‭ ‬مالكها‭ ‬ليتسلم‭ ‬جائزته‭ ‬الخرافية،‭ ‬وقد‭ ‬تمضي‭ ‬أيام،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يظهر‭ ‬صاحب‭ ‬الحظ‭ ‬السعيد‭.

المبلغ‭ ‬كبير‭ ‬للغاية،‭ ‬ولا‭ ‬يحتمله‭ ‬عقل‭ ‬أي‭ ‬فائز،‭ ‬حتى‭ ‬هيئة‭ ‬اليانصيب‭ ‬ذاتها،‭ ‬لا‭ ‬تدفعه‭ ‬للفائز‭ ‬وتخيّره‭ ‬بين‭ ‬دفع‭ ‬نصفه‭ ‬او‭ ‬تقسيطه‭ ‬على‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭. ‬

وفي‭ ‬كلتا‭ ‬الحالتين‭ ‬يبقى‭ ‬المبلغ‭ ‬ثروة‭ ‬طائلة‭ ‬وسيغير‭ ‬حياة‭ ‬ذلك‭ ‬الفائز‭ ‬تغييراً‭ ‬جذرياً‭. ‬وقد‭ ‬يبقى‭ ‬ملف‭ ‬الدفع‭ ‬مفتوحا‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الفائز‭ ‬الذي‭ ‬ربّما‭ ‬واجه‭ ‬ظروفا‭ ‬خاصة،‭ ‬منها‭ ‬انه‭ ‬أضاع‭ ‬البطاقة‭ ‬او‭ ‬انّ‭ ‬زوجته‭ ‬غسلتها‭ ‬مع‭ ‬بنطلونه‭ ‬المتسخ‭ ‬أو‭ ‬انّه‭ ‬من‭ ‬المدمنين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يفيقون‭ ‬الا‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬مرة‭ ‬او‭ ‬مرتين،‭ ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬الظروف‭ ‬وسواها‭ ‬لا‭ ‬تشفع‭ ‬لمن‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬هذه‭ ‬الورطات،‭ ‬لأنّ‭ ‬هناك‭ ‬سقفاً‭ ‬زمنياً‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬وبعدها‭ ‬يسقط‭ ‬حق‭ ‬الفائز‭ ‬بالجائزة،‭ ‬مهما‭ ‬فعل‭. ‬وحين‭ ‬لا‭ ‬يفوز‭ ‬أحد‭ ‬بالجائزة،‭ ‬يجري‭ ‬تدوير‭ ‬مبلغها‭ ‬الضخم‭ ‬الى‭ ‬الأسبوع‭ ‬اللاحق‭ ‬مع‭ ‬زيادة‭ ‬كبيرة‭ ‬وقد‭ ‬يصبح‭ ‬المبلغ‭ ‬بعد‭ ‬أسابيع‭ ‬ضعفا‭ ‬أو‭ ‬ضعفين،‭ ‬ولا‭ ‬تتوقف‭ ‬عملية‭ ‬زيادة‭ ‬الجائزة‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬إلا‭ ‬عند‭ ‬الفوز‭ ‬بها‭.‬‭ ‬

في‭ ‬العراق،‭ ‬يوجد‭ ‬يانصيب‭ ‬سياسي،‭ ‬فالأحزاب‭ ‬الدينية‭ ‬تحرم‭ ‬اليانصيب،‭ ‬لكنه‭ ‬تبيح‭ ‬واقع‭ ‬حاله‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬المتهالك،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬العراقيون‭ ‬بتعدادهم‭ ‬الذي‭ ‬تجاوز‭ ‬الأربعين‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬يدخلون‭ ‬صغاراً‭ ‬وكباراً‭ ‬بشكل‭ ‬اجباري،‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬عليهم‭ ‬طبقة‭ ‬سياسية‭ ‬جديدة‭ ‬تزيل‭ ‬سخام‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬ولا‭ ‬تزيده‭ ‬كثافة،‭ ‬وتأخذ‭ ‬بيد‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مستقبل‭ ‬أطفاله‭ ‬في‭ ‬اقل‭ ‬تقدير،‭ ‬ذلك‭ ‬انَّ‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬العراقي‭ ‬شبه‭ ‬محطم‭ ‬ومنته،‭ ‬وبالكاد‭ ‬يرى‭ ‬بقية‭ ‬طريقه‭.‬‭ ‬وحين‭ ‬تراكمت‭ ‬الاحباطات،‭ ‬ولاسيما‭ ‬انّ‭ ‬‮«‬الأرقام‮»‬‭ ‬التي‭ ‬راهن‭ ‬الشعب‭ ‬عليها‭ ‬مرة‭ ‬أو‭ ‬مرتين‭ ‬خيبت‭ ‬آماله،‭ ‬وكانت‭ ‬أرقام‭ ‬فشل‭ ‬وخسارة‭ ‬بامتياز،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬بطاقة‭ ‬رابحة‭ ‬في‭ ‬الانتظار‭

. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مَن‭ ‬يراهن‭ ‬على‭ ‬رقم‭ ‬سابق،‭ ‬ذلك‭ ‬انّ‭ ‬الخيبة‭ ‬كبيرة‭. ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انه‭ ‬في‭ ‬اليانصيب‭ ‬العادي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬ان‭ ‬يتكرر‭ ‬سحب‭ ‬الأرقام‭ ‬القديمة‭ ‬الخاسرة‭ ‬او‭ ‬الفائزة‭ ‬لتفوز‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬اليانصيب‭ ‬السياسي‭ ‬العراقي،‭ ‬توجد‭ ‬ارقام‭ ‬محدود‭ ‬ومكشوفة،‭ ‬ومن‭ ‬يراهن‭ ‬عليها‭ ‬او‭ ‬لا‭ ‬يراهن‭ ‬سيجدها‭ ‬امامه‭ ‬مثل‭ ‬القدر،‭ ‬ولا‭ ‬بديل‭ ‬عنها،‭ ‬وانه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دورة‭ ‬انتخابية‭ ‬تُضاف‭ ‬مبالغ‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬اليانصيب‭ ‬السياسي‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬مبالغ‭ ‬تمثل‭ ‬الكلفة‭ ‬المضافة‭ ‬من‭ ‬أعباء‭ ‬وواقع‭ ‬مثقل‭ ‬بالخزعبلات‭ ‬والاكاذيب‭ ‬والدجل‭ ‬والفساد،‭ ‬لتكون‭ ‬جائزة‭ ‬اليانصيب‭ ‬سنة‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬ودورة‭ ‬بعد‭ ‬أخرى‭ ‬وبالاً‭ ‬على‭ ‬العراقيين‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى