وفي النهاية : الطائفي المعلن الصريح ليس أسوأ من الطائفي المبطن
بقلم مهدي قاسم أسوأ الطائفي ــ حسب رأيي ـــ هو الطائفي المبطن ــ من أيطرف كان ــ الذي يتظاهر بأنه ضد النزعة الطائفية ولكن بنزعة طائفية مضمرة إلا أنها ليست خافية بالنسبة للذين يقرأون بين سطور ويحدّسون ما يجول بين قلوب استوطنتها علة الطائفية المزمنة لتستقر هناك ثابتا كثقب أسود وفاغر معتم ، حيث أن التشدق بالوطنيات لا تستطيع ملئها من شدة دخانها الكثيف الذي لا زال مشتعلا ..ولكن قبل الولوج في تفاصيل هذا الموضوع يجب التأكيد على أن التخندق الطائفي أو النزعة الطائفية قد تغلغلت ــ بعد سقوط النظام السابق ــ في قلوب كثير من العراقيين ومن معظم الأطراف ــ وخاصة بعد أحداث الحرب الطائفية التي فجرها النهج الانتقامي للأحزاب الإسلامية الشيعية ـــ السنية الأخوانجية ــ زائدا أتباع النظام السابق ــ كرد فعل متبادل من كلا الطرفين ــ قام على تصفيات متبادلة ، بالطبع كان المواطن ” العادي ” من كل الأطراف هو الذي يقع ضحية ويُقتل سواء من هذا الطرف أو ذاك ، بينما ممثلي هذه الأحزاب كانوا يلتقون خلف الكواليس بالأحضان والقبلات ، ثم يبدأون بتقسيم المغانم و المناصب فيما بينهم ، فضلا عن توزيع الامتيازات والمقاولات الوهمية أو الشكلية لغرض سرقة ونهب المال العام ، ولكنهم في الوقت نفسه تمكنوا من استغلال هذه النزعة الطائفية في تحشيد كل طرف ” أبناء جلدته ” للتصويت له في الانتخابات على أساس أنهم ” يحمون ” أبناء الطائفة ” من العدو الطائفي المقابل ، و بذلك استطاعوا أن يبقوا في السلطة منذ سقوط النظام السابق و حتى الآن !!. فطائفيون من أمثال عبد الأمير العبودي و نجاح محمد علي ووجيه عباس وغيرهم بالعشرات لا يرطنون بالطائفية أو مدمدمون بها بنبرة خجولة إنما يتبنون ذلك يقولون ــ بمعنى من المعاني ــ نعم نحن طائفيين و نفتخر بذلك !! لكون بعضهم مستفيد من امتيازات ” شيعة السلطة وبعضهم الآخر مجرد عميل ” عقائدي ” للنظام الإيراني، في حين نجد طائفيي الأطراف الأخرى يمارسون طائفيتهم وعنصريتهم بشكل مبطن و غير مباشر مغلفا بنبرة وطنية فضفاضة .. ولهذا نسأل الطائفي الشيعي الذي لا زال يتباكى على ” مظلومية الشيعة” :ـــ هل تعلم أن سياسات نوري المالكي الطائفية التي قامت على مطاردة وملاحقة ” أبناء أهل السنة ” على الظن والكدية بين قتل واعتقال و تغيّيب من حيث شملت مئات آلاف منهم ــ عامي شامي ــ ، حتى أضطر القضاء العراقي في عهد حيدر العبادي لإطلاق سراح عشرات آلاف منهم حتى بدون محاكمة أو تحقيق بسبب كثرتهم وعدم وجود دلائل دامغة أو حتى شكلية تثبت تورط هم جميعا في أعمال إرهابية و قد كان لهذه السياسة العدائية ذات الصبغة الطائفية دورها الواضح في دفع البعض الكثير للالتحاق بالإرهابيين ؟ .. و نفس السؤال نطرحه على الطائفي السني ، فيما إذا فكر بالعمليات الإرهابية اليومية التي كانت تحدث في أحياء عديدة و محددة من أحياء بغداد ، وحصدت حياة مئات آلاف من أناس مسالمين و أبرياء و التي طالت لسنوات طويلة ، بحيث لم تنقطع إلا في عهد حيدرالعبادي حتى أضطر مكتب الأمم المتحدة أن يعمل إحصاء يوميا و يعلنه شهريا عن ضحايا العمليات الإرهابية اليومية بكذا ألف ضحية بين قتيل و جريح ، مرة تصاعدا ومرة انخفاضا أو بالعكس ؟.. ناهيك عن ” المجاهدين ” المحليين في تنظيم داعش أو القاعدة والنقشبندية و غيرها من تنظيمات إرهابية ؟ ..و بالرغم من توقف العمليات الإرهابية أو انخفاضها الكبير ، وتغلب الحس الوطني على الحس الطائفي ــ ولو بشكل نسبي ــ في الفترة الأخيرة إلا أن النزعة الطائفية لا زالت موجودة ــ كخلايا نائمة ولكن في حالة ترصد وترقب !! ــ في تلك القلوب المصابة بلوثة الطائفية و التي لا تستطيع الخلاص منها بسهولة ، حيث حتى فيروس كورونا قد اُستخدم مجددا كوسيلة حرب إعلامية في تفجير هذه النزعة المقيتة البغيضة سواء من قبل هذا الطرف أو الطرف الآخر . يبقى أن نقول أن عددا ــ ليس قليلا من ممرضات وأطباء عراقيين ــ وربما من كل المكوّنات العراقية ، قد توفوا من خلال قتالهم المستميت على جبهة كورونا لإنقاذ حياة آلاف من المصابين ، فهؤلاء هم أيضا يستحقون كل الثناء والإشادة و التعبير عن الأسف على فجيعة وخسارة وفاتهم لأنهم ضحوا بحياتهم من أجل لإنقاذ الآخرين وبعضهم كان لا زال شبابا في عمر الزهور..وهم الذين لم يطالبوا حتى بعد إصابتهم ” بتعامل خاص ” ولا تصرفوا كأنهم من ” نخبة خاصة ” وفوق البشر ” العاديين ” !.. مهدي قاسم