ورقة بيضاء للحوار المنشود
مازن صاحب
تبقى دعوة إقليم كوردستان للفرقاء المختلفين الى طاولة الحوار في توقيتها المطلوب نموذجا لتطبيق دعم الدولة بدلا من تفكيكها، فهذا الحوار الوطني الفاشل منذ 2005 حتى اليوم أدى ويؤدي الى تهديد متواصل للسلم الأهلي وتعميق لحالة اللادولة، واجد في دعوة السيد نيجيرفان بارزاني الجميع للحضور الى أربيل عاصمة إقليم كوردستان تطبيقا متجددا لدور القيادة الكوردستانية في لعب دور الموازن وبيضة القبان في اخراج عربة العملية السياسية العراقية من مطبات “المحاصصة”.. يبقى السؤال كيف يمكن عقد طاولة الحوار المنشود؟ منذ زمن المعارضة المسلحة للنظام السابق، لعبت القيادات الكوردية دور المخرج لآليات الحوار بين احزاب المعارضة فرفعت شعار “الفيدرالية لكوردستان والديمقراطية للعراق” كما كان لحضور المرحوم جلال طالباني والسيد مسعود بارزاني اعمال مؤتمر لندن برعاية وحضور زلماي خليل زاده الدور الأبرز في الخروج ببيان نهائي عن اعمال ذلك المؤتمر الذي اتفق على تطبيق “الديمقراطية التوافقية” والتي تحولت بالضد منها الى نموذج “مفاسد المحاصصة”. ربما يقول قائل، مجرد تلبية قيادات التيار الصدري والإطار التنسيقي دعوة الحوار، سيمثل ذلك 50% من الحلول التي يمكن ان تطرح عليها، شخصيا أجد ان جمر الاختلافات يبقى تحت الرماد كما سبق وان حصل في اجتماع صلاح الدين التي منحت السيد المالكي الولاية الثانية من دون الإيفاء بأي من تلك الاستحقاقات التي تم الاتفاق عليها خلال ذلك الاجتماع، ومن اجل عدم تكرار دفع صخرة الخلاف نحو الامام حتى تنفجر في نموذج يهدد السلم الأهلي، لابد من التوقف عند بعض النقاط التحليلية منها: أولاً: اليوم حين تستجيب مختلف الأطراف لدعوة السيد نيجيرفان بارزاني في توقيت حرج جدا، اجد من المطلوب تحليل أصحاب المصلحة وفق معايير التنمية السياسية لكي نتوقف عند معطيات النتائج المتوخاة من هذا الحوار المنتظر، لان ما تنقله وسائل الاعلام من تعليقات المتظاهرين داخل مجلس النواب عن التغيير المتوقع لأغلب مفاصل العملية السياسية يتقاطع بشكل واضح من ثوابت اتفاق لندن التي ما زالت قائمة بعد تضمنتها نصوص دستورية مثل نظام الحكم البرلماني، مقابل الدعوة لتعديل هذا النظام الى رئاسي او شبه رئاسي، الامر الذي ربما يجعل بقية الشركاء في العملية السياسية الحالية امام استحقاق إعادة نظر متكاملة وشاملة للاتفاق على هذا التعديل من عدمه . ثانياً: ما مطلوب التوقف عنده على طاولة هذا الحوار، التحول من نموذج تشكيل الحكومة وفق توزيع المناصب بالمحاصصة على قاعدة عدد المقاعد البرلمانية فيكون الجميع داخل السلطة التنفيذية والجميع داخل السلطة التشريعية الى نموذج حكومة اغلبية وطنية، تظهر خلالها معارضة برلمانية واعدة، فيما رفضت قوى الاطار التنسيقي ذلك كليا واعتبرت ان من حق “المكون الأكبر” الاتفاق على ما درج عليه العرف في محاصصة المناصب الرئاسية تسمية رئيس مجلس الوزراء للمكون الشيعي بجميع قواه السياسية وذات الامر للمكون الكوردي فيما الواضح ان المكون السني اختلف ما بين اغلبية واقلية معارضة على تسمية السيد الحلبوسي رئيسا لمجلس النواب مما دفع السيد مقتدى الصدر الى طلب تقديم جميع أعضاء كتله البرلمانية الاستقالة والانتقال من انسداد صندوق العملية السياسية الى فضاء الشارع الشعبي المؤيد له كليا وبضمنه الكثير من القوى التشرينية ناهيك عن موافقة ضمنية للأغلبية الصامتة . ثالثاً: لابد من مناقشة اليات ومضامين التحول من “حركات سياسية مسلحة معارضة” الى أحزاب سياسية “داعمة لبناء دولة” هنا يتضح تصاعد الخط البياني للدور الكوردستاني في أطروحة دعم بناء الدولة فالعقلية التي قامت ببناء مدن الإقليم لابد وان تساهم في اقناع الأطراف المتضاربة ان حالة البناء وتوفير الحد المطلوب من الرفاهية الاقتصادية واليات نفاذ القانون وسيادة احتكار السلطة للعنف المسلح وحصر السلاح تحت سيطرتها، وتطبيقات فاعلة لمكافحة الفساد من خلال منعه وردعه، بما يجعل من إدارة طاولة الحوار من قبل السيد نيجيرفان بارزاني امام مسؤولية حقيقية في هذا الموضوع . السؤال الاخر، ما احتمالات انفتاح هذا الانسداد في العملية السياسية، فالأمر ربما لا يتعلق فقط بالمكون السياسي الشيعي بل قد يشمل ذلك بقية المكونات؟ الواضح والصريح هناك قناعة تتزايد يوما بعد اخر لإعادة نظر جادة في مجمل العملية السياسية، وهذا يتطلب وجود رؤية جديدة تطوي صفحة اتفاق لندن وما ادرج منها في متون الدستور الحالي بأخرى تتفق مع هذه الرغبة، الامر الذي يظهر حقائق الاختلافات من تحت طاولة الحوار كي تناقش بشفافية أولا وعقلية رجال دولة ثانياً، ذلك ليس بالأمر اليسير، لاسيما مع وجود سلاح منفلت ومال سياسي عائم على مستنقع مفاسد المحاصصة، وتسمية بعض الأشياء بعنوان اقرب لكلمة حق يراد بها باطل حينما تربط بمضمون المقاومة الإسلامية ضد الوجود الأميركي – الإسرائيلي في العراق. في ضوء هذه المعطيات، ربما أقول ربما لن يخرج أي اجتماع تحت اية رعاية، في أربيل او في غيرها عن تسكين حالة العنف المتوقع وارجاع الأمور الى حالها السابق وهناك عدة خيارات مطروحة يمكن تسميها “ورقة بيضاء” على طاولة هذا الحوار تتمثل في الاتي: أولاً: إمكانية استصدار قرار من المحكمة الاتحادية او مجلس الدولة “محكمة الموظفين” قرارا يعتبر استقالة نواب التيار الصدري الـ73 غير متكامل، بما يتيح لهم العودة الى مقاعدة مجلس النواب، وبعدها يمكن الاتفاق مع جزء من قوى الاطار وابرزهم كتل فتح والنصر البرلمانية لاستكمال تشكيل الحكومة لمدة دورة برلمانية كاملة . ثانياً: السيناريو الاخر، تشكيل حكومة تصريف اعمال بتكليف السيد مصطفى الكاظمي او غيره لمدة عام او عامين بشروط مزدوجة ما بين التيار الصدري والاطار التنسيقي، ترسم لها خطوات في برنامج حكومي واضح لتعديل قانوني الانتخابات والأحزاب بانتظار ظهور برلمان تمثيل حقيقي لكل العراقيين. ثالثاً: الدمج ما بين كلا النموذجين، ربما يمكن ان يعود نواب التيار الصدري الى مقاعد مجلس النواب بوصفهم كتلة معارضة مقابل الاتفاق على ادراج نقاط محددة في البرنامج الحكومي المنتظر والتزام قوى الاطار التنسيقي به ويبقى الرهان على مدى التزام البرلمان العتيد بتنفيذ مطالب التيار الصدري في البرنامج الحكومي. رابعاً: هناك اعتقاد سائد ان تهدئة سخونة الاحتجاج يجعل التيار الصدري على محك التساؤلات المتكررة عن تقلب المواقف السياسية في تحالفاته البرلمانية، وهذا ربما يعرضه الى انتكاسة في الانتخابات المقبلة، لكن هناك اتجاه غالب ان جمهور التيار الصدري العقائدي يتعامل مع توجيهات السيد مقتدى الصدر وفقا للتكليف الشرعي بما يجعل هذا الجمهور منضبطا في اطاعة تعليماته والقبول بموافقه المتقلبة تحت هذا العنوان العريض . ما بين هذا وذاك لابد من القول ان ضجيج الاحتجاجات قد اسمعت من في اذانهم وقراً، لكن مصفوفة الحلول التي يمكن ان تطرح على طاولة الحوار المتوقعة لن تكون اكثر من طاولة إطفاء حرائق وليس طاولة حوار وطني لاعادة نظر شاملة بالعملية السياسية برمتها.. ولله في خلقه شؤون.