واقعية السياسة والمصالح
علي حسن الفواز
ليس صعبا الحديث عن واقعية السياسة، وعن ضرورة أن تكون هذه الواقعية مجالا للتعاطي مع الوقائع والاحداث والمشكلات، وعلى نحوٍ يجعل من مفهوم الواقعية خاضعا لتداولية فاعلة، ولمقاربة تُخرجه من تجريده الفلسفي الى ضرورته الاجرائية.
ما يجري في الواقع ليس بعيدا عن الحاجة الى السياسة، والى اجراءاتها ونظرتها، وطبيعة علاقتها بحساب المصالح، إذ يكشف التسييس عن ممارسات تدفع الجميع باتجاه المشاركة، والقبول بمعطيات ما تتركه تلك السياسة من أثر ومن ضغط، ومن تأطير، ومن وعي يؤمن بالتفاعل والتواصل بعيدا نظرية “العقل الأداتي” التي اسهمت الى حدٍ كبير في صناعة تاريخ طويل من المركزيات الحاكمة.
مفهوم السياسة هو اكثر المفاهيم ميوعة وخفّة، لكنه ايضا اصلدها في الواقع، لأنه الوحيد الذي يلامس خفايا الواقع، ويؤمن بفكرة المصلحة على حساب القيمة، والعرض على حساب الجوهر، وهي قضايا وثنائيات ذات طبيعة اشكالية دائمة، وأنّ ما يجمع نقائضها هو الممارسة السياسة فقط، على مستوى التمثيل الايديولوجي والحزبي والجماعاتي، أو على مستوى تمثيلها في السلطة. حيوية السياسة..
حيوية الإدارةلقد باتت واضحة وجلية طبيعة هذه الثنائية وقدرتها في التأثير على صناعة الخطاب، وعلى تمكين الفعل السياسي من أن يكون مجسّا للكشف، وللتأثير في مستويات العمل الاداري المتعددة، لا سيما ادارة مؤسسات الدولة والاحزاب والدبلوماسية وحتى المصالح، والتي لايمكن فصلها عن فاعلية الخطاب السياسي، لأن ادارة الحكومات والدبلوماسية والديمقراطية وادارة الحقوق العامة والخدمات والحرية، هي شأنٌ سياسي بالأساس، وهذا ما يجعل حيوية الادارة قرينة بحيوية السياسة، وبقدرتها على تجديد ادواتها وتنشيط خطابها وآلياتها، وبما ينعكس على حياة المجتمعات، إذ تكون للممارسة السياسية سياقات وأطر وتوظيفات مهنية وبرامج وخطط، وإذ يتطلب ذلك مهارات وخبرات لادارة السياسة، ولسياسة الادارة، إذ إن التلازم بينهما سيكون واقعيا وعقلانيا وقائما على اساس التمكين والفعل والتفاعل.
لايمكن فصل مشكلات العالم المعاصر عن مشكلات ادارة السياسة، لأنّ هذه المشكلات لا تنحصر في الصراعات الداخلية فقط، بل بالصراعات الخارجية ايضا، لاسيما ما يخص الحروب التي يُفسرها البعض بأنها وجه آخر للسياسة، فضلا عما يخص حماية المصالح والثروات، والتي تجعل من الخطاب السياسي أكثر تعبيرا عن الحاجة للادارة ولتوظيفها كقوة رمزية واجرائية في الدفاع عن تلك المصالح.