وأخيرا صار ملك
حمزة مصطفى
إنتظر الأمير تشالرز 70 عاما لكي يصبح الملك تشارلز الثالث.
تكلفة اللقب الملكي الجديد “الثالث” باهظة جدا, لكن زهو الحضور مائة ملك وملكة ورئيس والآف البريطانيين باتوا ليلة التتويج تحت المطر تستحق أية كلف وترتفع الى أي مستوى من مستويات التالق والرفعة والسمو.
وإذا كان “الثالث” هو ما أضيف الى إسمه حين أصبح ملكا فإنه حمل رقما كبيرا برسم التاريخ .. الملك رقم 40 لمملكة زاد عمرها بضع سنين عن الألف عام. قصة تستحق التوقف والتأمل للدولة حين تكون محترمة مرتين. مرة بالمحافظة على العرش والإرث, ومرة بالمحافظة على التقاليد. أمه اليزابيث الثانية التي “لزكت” بالعرش طويلا “توجت عام 1925” وماتت سنة 2023 ماتت واثقة من أن التسلسل الملكي لاينقطع. ومع أن الأمير الذي تزوج من عامة الشعب “كاميليا” التي صارت ملكة أصبح ملكا في اليوم التالي لوفاة والدته حسب التقاليد المعمول بها بإنتقال العرش من الملك أو الملكة الى ولي العهد لكن طبقا للتقاليد الملكية فإنه لايتوج ملكا بإحتفال كبير الإ بعد مرور سنة.
في بريطانيا حيث لايوجد دستور مكتوب كل شيئ يجري وفقا للتقاليد. التقاليد لا يعلى عليها في بريطانيا. والبريطانيون الذين يقود سفينتهم اليوم هندي إسمه ريشي سوناك لا الملك ريتشارد من الناحية العملية, لكن الهند كانت جزء من الكومنويلث والأراضي التي لاتغيب عنها الشمس.
غابت شمس الإمبراطورية طبقا لتحولات التاريخ والجغرافية وبقي أي شيء أخر في مكانه لم يتغير قيد أنملة. سوناك صار رئيسا لوزراء بريطانيا بصرف النظر عن جنسه ولونه ودينه لان قيم المجتمع البريطاني تسمح بذلك. لاتتوقف عند “السوالف التعبانة” من قبيل هذا طويل وهذا قصير.
بريطانيا التي عمر عرشها أكثر من الف عام حيث يملك الملك أو الملكة ولا يحكم لو خرقت جزئيا التقاليد المتعارف عليها لكان وضعها مختلفا تماما. المواطنة الكاملة الشاملة هي المعيار في أن تكون شيئا لو أردت أو لاتكون. البريطانيون برغم الخلافات المعروفة بين مقاطعاتهم اسكوتلندا, ايرلندا وبرغم ضجة الخروج من الإتحاد الأوربي يحترمون الملكية.
لماذا؟ لانهم ليس في وارد التحرش بالتقاليد. يغضب البريطانيون سياسيا ويتظاهرون من أجل الضرائب والرواتب والأجور لايختلف في ذلك عمال البريد عن عمال سكك الحديد لكنهم لايصوبون نحو الملكة التي كانت اما على مدى 70 سنة أو الملك الجديد الذي إشتعل رأسه شيبا قبل أن يصل اليه العرش. وصل العرش أخيرا لكن ليس على طريقتنا “لودامت لغيرك ماوصلت اليك”.
هم يعرفون إنها لاتدوم لاحد لكنها تدوم لعرش دام له الحكم والمجد عشرة قرون.التقاليد عندهم أقوى من أي عريف أو عقيد أو حتى جنرال يفكر بتشكيل تنظيم “بائس فاكس” إسمه “الضباط الأحرار” ليستولي بليلة ظلمة على مقر البي بي سي قبل أن تغلق ليذيع بيان رقم واحد بادئا إياه “بعد الإتكال على الغيارى والمخلصين” ومذيلا بعبارة فلان الفلاني القائد العام للقوات المسلحة.
في دول أخرى تخرج الجماهير مؤيدة لهذا الذي لم تكن حتى يوم امس لاتعرفه سوى زوجته لكي يغير النظام من ملكي الى جمهوري حسب مزاجه ويمنح نفسه الرتب حسب مزاجه ويعين نفسه قائدا عاما حسب مزاجه ولا أحد يحاسبه .. حسب مزاجه.
الأدهى من ذلك إنه يبقى ثلاثين وأربعين سنة بين هاتف ومهتوف.
في بريطانيا التقاليد تمنع كل ذلك. الملك يعرف حدوده.
له كل الإحترام والتبجيل لكنه لا يستطيع أن ينقل شرطي. ورئيس الوزراء يعرف حدوده أيضا لكن لا يستطيع هو الآخر إستخدام السلطة خارج حدود التقاليد.. حقه ريشي سوناك يشكر “الرب” حتى لوكان .. بقرة “بكعة” لاتسر الناظرين.