هوية وسلوك أزمة مجتمع يتفكك
هوية وسلوك أزمة مجتمع يتفكك – محمد صالح البدراني
ومضة المقال:
لا تصل إلى وصف ظاهرة أن يتطاول شاب على كهل أكبر من أبيه سنا، فهذا حدث منعزل وان تكرر، لكن هذا جرس في مجتمع متمدن.وقد تصبح نسبة الطلاق 60 بالمئة وفق إحصائية أخيرة لاحد المراكز المعنية بتأهيل المجتمع، وهذا أيضا مؤشر خطير، ولماذا تظهر سمة لا مبالية بل الإلحاد في مجتمع كان متدينا؛ هذا وغيره يجعلنا نتساءل أين الخلل؟تحليل العوامل:
التربية: هنالك من يتصور أن توفير الحاجات لأبنائه كاف، فما نفع العلم والتعلم ومن يتعلم في آخر قافلة العيش في البلد اللهم ألا ما نهض به الظرف في زمن غفلة، والتربية حقيقة لا تقتصر على العائلة فالعيش في بيئة ملوثة قد يمحي كثيرا من بياض صفحات التربية البيتية، ناهيك لو أن التلوث أصلا في البيت.وقد يكون التناقض في شخصية ما يفترض أنها قدوة يخلق نوع من التشوه لمعنى القدوة المطلوب فيكون قدوة سيئة، أو أن تقديس المسلمات من العادات دون توضيح تخلق تناقضا داخليا فعقلية متصارعة مع نفسية متصارعة واستقرار حرج في الشخصية.الأحداث: التي هي عنصر مهم في تكوين عقلية ونفسية مريضة تحتاج إلى تأهيل وإعادة تأهيل وما تتبعه من تهديد للكرامة الإنسانية بحيث أن المواطن الذي لم يغادر بلده طوال عمره يشعر بالغربة والتهديد في بلده وكأنه ليس بلده، غاية الدولة أن تحافظ على كرامة المواطن وحمايته وليس أن يكون عبدا للأهواء المتمكنة فهذا يسيء للمنظومة وكونها مخرجات عقد اجتماعي فلابد من انضباط شامل للقوانين وتحويله إلى سلوكيات تميز البلد.
الهوية:
هي التعريف من إنا بما أؤمن ما ذا أريد، اهتزاز الهوية ضياع ويصبح الإنسان غير معرف لنفسه، وهذا امر غاية في الأهمية، لأنه الأساس والمنصة التي يشاد عليها بنيان الإنسان وتميزه وسلوكه ومقدار تعبيره عن القوانين التي يتبعها سواء كانت منظومة أخلاق نابعة عن فكر حضاري أو نظام سلوكي يحمى بالقانون وبتطلبه نظام المجتمع كدولة، حتى المنظومة الأخلاقية النابعة عن فكر حضاري تحتاج إلى تفصيل قانونية لكيلا تخضع للتفسير النسبي كاختلاف معنى الفضيلة من مجتمع لآخر مثلا.السلوك: ولتوضيح معنى السلوك باختصار هو نشاط يعبر به الفرد عن نفسه مع من حوله، فمثال انطلاقة المقاتل قد يكون الشاب رأي بصديقنا صورة أبيه وما يضجره منه، أو معلم ترك بصمة سيئة عنده وليس بالضرورة تأثرا بالحادث المباشر، لان هذا رد فعل يتعامل مع النفسية ومؤثراتها مباشرة.
أساس من أسس المشكلة
:لا شك أن النظام التربوي العائلي التقليدي يحتاج إلى تطوير، فالعادات والتقاليد هوجمت لان التخلف نسب إليها وبدون تحديد في أي منها فكانت منظومة الدوافع للسلوك أحد ضحاياها، كمراعات الكبير والتزام الأسرة الأخلاقي وحتى مفهوم البيت والطلاق الذي لم يك إلا حالات قليلة لاعتبارات كثيرة، الآن هذه المعايير التي تركز على الاختيار من نسب وتكافؤ غابت، فبالتالي حلت محلها معايير أخرى كالمكانة الاجتماعية في مجتمع تتدنى به الروابط، أو المال، وتدنت معايير الذكورية إلى سلطة بلا معايير الرجولة وابتعاد الناس عن التمييز بين الذم وبين الوصف للخطبة قبل الزواج، فيتزوج اثنان لا تماهي بين معاييرهما التربوية.الأهلية للزواج تعبر عن درجة ترابط المجتمع وعليه ممكن أن يقاس السلوك العام، فالشباب الذي يتزوج يفكر بإشباع غريزة وليس بتكوين أسرة، وأسرة الشاب تراه متمكنا من نفسه لكن لا تدرس أهليته لإقامة آسرة، وربما تختلف الزوجة مع أحد من أهله فيترك لنفسه وهو ليس مؤهلا لهذه المسؤولية فتنهي المشاكل مشاهد التمثيل ….. مشاكل الزوجية مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي نسيء استخدامها بحكم انحدارنا الحضاري وتخلفنا المدني والتي لم تستغل تربويا، غياب التأهيل لخطوة مهمة مثل الزواج من خلال دورات توضح معاني الزواج، الأنانية التي تتخذ المراوغة وفهم القوامة سلطة ومحاولة محو كينونة الزوجة، وبلادة الإحساس بالفعل كلها تقود إلى الطرق المسدودة بفقدان الثقة.القيم ليست لوحات جدارية أو نفائس اثريه، وان ما يتعلمه الإنسان من قيم سواء في البيت أو دور العبادة يخرج حين يخرج وقد تعود انه لن يطبق منها شيء لأنها لا واقع لها، حتى الذي يعظ، تراه على منصة الوعظ إنسانا وبسلوكه أنسان آخر.
الحل:
لابد من منظومة إعادة تأهيل للمجتمع والأفراد، والسعي للعدل في المجتمع والمساواة أمام القانون، وإدخال الشباب في نشاطات اجتماعية خدمية أثناء نشأتهم وتعريفهم على معاني مهمة وقيمية في الحياة وإخراجهم من سلطة الأنا إلى سعة المجتمع، وفهم معنى الأسرة ومهامها ونوع العلاقات التي تتجاوز الرغبات إلى بناء إيجابي للحياة.إن تولي الجهل لا يقود إلا إلى الجاهلية والتفكك، وتعريف الإخفاقات في الفهم بدقة وليس التعميم لأغراض سطحية يتبناها الجاهل هو وسيلة معالجة لمواطن الضعف في إعادة بناء الإنسان الذي هو ضرورة تفرض نفسها مع سير الزمن، ما بين شباب يعيش ازمه صراع ومع الحياة ولا يعيش الحياة، فلا الأهل قادرين على أكثر من الديمومة ولا الشباب يعرف من الحياة إلا الألم، وضغط يجعله يظن ألا واجب له إلا البقاء، أو أن التمرد على القيم التي شوهت أصلا ولم يبق منها إلا العنوان هو طريق الصواب وهذه بكل تأكيد ليست مهمة الإنسان.