هواجس الأقليات .. الحق والانزلاق
د. نزار محمود
تعيش في جميع المجتمعات البشرية تقريباً ما يسمى بالأقليات تعبيراً عن قلة النسبة العددية لمجموعة اجتماعية تتميز بخصوصيات ثقافية أو اجتماعية مختلفة بهذا القدر أو ذاك عن بقية المجموعة أو المجموعات الكبيرة. وهذا لا ينبغي وطنياً أن يلحق الضرر والغبن البتة بالأقليات في المجتمعات المتحضرة سياسياً وأخلاقياً وإنسانياً. لكن الواقع في مجتمعات التخلف والتعصب لا يعكس غالباً هذه الحالة المثالية رغم التغطية والتستر ومحاولات التخدير السياسي والاجتماعي.
ففي مثل هذه المجتمعات تعاني الأقليات الأذى والألم الظاهر والباطن وقد تعيش التمييز وعدم تكافؤ الفرص في مجالات الحياة المختلفة، الأمر الذي يدفعها أحياناً الى الافراط في وطنيتها في تاكيدها لذاتها وتعبيرها عن أناها المضطهدة، أو لجوئها الى المعارضة والمخالفة المشروعة أو غير المشروعة. وقد تذهب الى العيش في تكتلات ومجتمعات موازية منعزلة.هذه المواقف الرافضة قد تتخذ أشكالاً سياسية، أو حتى عسكرية، من خلال تشكيل أحزاب أو جمعيات أو تجمعات ظاهرها وطني عام وباطنها فئوي خاص ( أقلوي)
. أو قد تذهب للبحث عن نفسها في الاتجاهات القومية العنصرية أو الأممية من يسارية متطرفة الى دينية متشددة.بيد أن الأخطر هو انزلاقها أحياناً الى مصائد جهات خارجية لا تريد في النهاية الا أذية للحالة الجمعية الوطنية هوية وثقافة، سياسة واقتصاداً ووحدة مجتمعية.وهكذا نرى نفر من الأقليات، وتحت مسميات وتبريرات مختلفة، يروح يضرب بمعوله على كل ما يقع تحت سكين رأس ذلك المعول من قيم وعادات وثقافة وتاريخ وطني، مسفهاً ومشككاً ورافضاً، بدعاوى مختلفة.ولكني لا بد من أن أستدرك في ذات الوقت وأحذر من محاولات الآخرين ممن تقع في مصالحهم وأنانياتهم هيمنة الأكثرية العمياء والغوغائية للنيل من كل صوت حق وطني يرتفع، أو محاولة إصلاح وتجديد نحو الأفضل، بحجة الحفاظ على الوحدة الوطنية وقدسية القيم المجتمعية السائدة.
ان هذه الاشكالية المجتمعية لا يمكن التعامل معها إلا من خلال سياسة عادلة متحضرة ووعي اجتماعي أخلاقي يسمو على نظرة الاكثرية المتعالية المتخلفة الملحقة الأذى بوطن الجميع.