مقالات

هل نجحت الديمقراطية في إدارة السياسة؟

علي حسن الفواز

هذا السؤال الاستهلالي يمكن أن يكون مدخلا لقراءة الخطوط العامة للعملية السياسية في العراق، ولبيان مدى نضجها، وقدرتها على النجاح والتواصل، وعلى تجاوز تاريخ مركزية الحكم السابق، وتكريس أطر الاستقرار السياسي، والتداول السلمي للسلطة، وخروجها بعيدا عن عشوائية الانقلابات التي لصقت بالذاكرة السياسية العراقية، فـ»ديمقراطيتنا البسيطة» ما زالت تعيش أزمة الفوبيا السياسية، وادارة الديمقراطية ما زالت أضعف من أن تواجه رعب المركزيات الكبرى التي ورثها العراقيون منذ عقود طويلة.

الديمقراطية وادارة السياسة، ثنائيتان تبدوان وكأنهما نقيضان، لكنهما متلاصقان في الجوهر وفي الوظيفة، لإنهما يخضعان لتوصيف واقع العملية السياسية، ولطبيعة الفاعلين فيها، ولخصوصية النسق الذي تتحرك فيها الفاعليات السياسية، وبيان مستوى نضجها، وقدرتها على صناعة مشهد سياسي تداولي ونقدي، يرتبط بالمصالح، مثلما يرتبط بحسن الأداء.

هذا التلازم، رغم أهميته، إلّا أنه سيكون داعيا لإثارة أكثر من سؤال، وبالاتجاه الذي يتعاطى مع توصيف السياسة بوصفها قوة حمائية، ومع توصيف الديمقراطية بوصفها مجالا لاختبار السياسة، إذ من الصعب على السياسة أن تفرض قواعدها والياتها دون أن تقوم بحماية تلك القواعد، والمناطق التي تتحرك فيها، بدءا من قاعدة القانون، ومناطق المصالح والثروات والحقوق والسيادة والنظام والأمن وانتهاء بالديمقراطية، بوصفها مجالا أو مظهرا أو سياقا للقبول بتداولية الممارسة السياسية.

ربط السياسة بحفظ المصلح فقط يمكن أن يقوّض أي تطور في الممارسة السياسية، ومنها ما يخص الديمقراطية، إذ تتحول السياسة الى سوق، والديمقراطية الى تبادل فاضح في المنافع، وفي المصالح أيضا، وربما لفرض ارادة على حساب ارادة اخرى.

الديمقراطيَّة بوصفها مسؤوليَّةإنّ تعريف الديمقراطية اكاديميا يجعل منها أكثر تجريدا في التعبير عن الواقع، ليس لأنّ الديمقراطيات لا تتشابه، بل لأنّ التشابك العميق بين السياسة والديمقراطية هو ما يجعلها بحاجة الى الوضوح، والى التطبيق والى الواقعية، لا سيما أنها تتقنّع دائما بلبوسٍ أخرى، فيها من التوافقية، ما فيها من البرغماتية، أو حتى الانتهازية، وهذا ما يجعلها مجالا لتشويه السياسة، ولمعنى الديمقراطية ذاتها، وللخضوع الى ممارسات قابلة للتزييف والتزوير، أو للضغط من قبل الجماعات السياسية المهيمنة، حيث العرض والطلب، وحيث اشهار المصالح، وحيث فرضية القوي والضعيف، أو فرضية جودة السلعة وطرائق عرضها، والاعلان عنها.

إن واقعية العملية السياسية في العراق تتطلب جهودا استثنائية، ليس لاعادة توصيف الخطاب والجماعة والهوية والسلطة فقط، بل لوضع هذه المفاهيم في سياق فاعل وحقيقي، قابل للنقد والمراجعة، وبما يجعل ممارسة السياسة، وممارسة الديمقراطية مسؤولية وطنية، وعملية واقعية، بعيدا عن الغلو، وعن التناشز السياسي والطائفي والقومي والجماعوي، لأن من ابسط شروط الديمقراطية هو وجود التنوع، والتعدد، والسلم الأهلي والعدالة الاجتماعية والحقوق والحريات، بما فيها حرية الرأي والاختلاف والمعارضة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى