هل تُعلن أمريكا البَراءة من ناكري الجميل في العراق؟
سمير داود حنوش
تُرى هل إقتنعتْ الولايات المُتحدة الأمريكية بنتائج سياساتها الطائشة في العراق؟ هل آمنتْ بخطايا الفوضى الخلّاقة التي جاءتْ بها ؟ هل إستسلمتْ أو حتى تُفكر بالإنسحاب وتعترف قريباً بفشلِها للديمقراطية التي كَسَتْ بها العراقيين؟ هاهو المعبد يوشِك أن ينهار فأين الخلاص وذلك الحلّ؟.أمريكا التي كانت غالباً ماتستعمل القوة بلا حكمة أو حتى بغباءٍ مقصود أو غير ذلك لِتخسر في نهاية المطاف جولاتها كما حدث في كوريا الشمالية (١٩٥٠-١٩٥٣) وفيتنام (١٩٦٤-١٩٧٤) وأحداث العراق التي بدأت منذ عام ٢٠٠٣ ويبدو أن خواتيمها المأساوية قد بانتْ نهاياتها.
أمريكا لايَهمُها مَنْ وكيف يحكم، بل مصالحها التي تجمعها مع ذلك الطرف كما حدث مع حركة طالبان بعد عشرين عاماً من المواجهات المسلحة (٢٠٠١-٢٠٢١) لتنتهي بإتفاق يُنهي هذه العداوة والشروع من نقطة الإنطلاق لعقد هُدنة بين الطرفين تقضي بتسليم مقاليد الحكم لجماعة طالبان ، فهل هناك من يُنكر ذلك التخبّط الأمريكي والفوضى التي تصنعها أينما حَلّتْ.
لايُستبعد أن تتجه السياسات الأمريكية بنهاية المطاف في بلد غارق بالتِيه والفوضى مثل العراق إلى إنتهاج سياسة مُشابهة وسيناريو مماثل لما حدث في أفغانستان بتسليم مقاليد الحُكم لوجوه جديدة قد تتعامل معها الإدارة الأمريكية بمُعطيات الواقع الذي يتطلبه المشهد السياسي في العراق.
في حديث السفير الأمريكي السابق زلماي خليل زاده قد يكون مفتاحاً للأبواب المُغلقة التي تختبئ ورائها مُتغيرات الرؤى الأمريكية للنظام السياسي في العراق، ففي الجلسة الإفتتاحية لـ(منتدى السلام والأمن في الشرق الأوسط) الذي نظمته الجامعة الأمريكية في محافظة دهوك في إقليم كردستان في نوفمبر/تشرين الثاني من عام ٢٠٢١ إذ هو في بهو الجامعة ليلتقي بأحد الزعامات الشيعية المؤثرة في المشهد السياسي العراقي المُشاركة في المؤتمر (نتحفظ عن ذِكر الأسم لإعتبارات سياسية) حيث قال له زلماي:
”مازال التاريخ قريباً، وأنا شخصياً الذي قررت بعد مؤتمر لندن قبل تحريركم من صدام أن يكون الحُكم بيد الشيعة عندما إتّفقتْ كلمتي مع إستراتيجية الرئيس بوش في أن تكون بإتجاه واحد، وهكذا كان الحُكم لكم بموافقتنا وتحت أنظارنا” ومع إن هذا الزعيم أقرّ فوراً بالجميل والعِرفان لهذا الفعل بقوله “لاننسى جهودكم معنا” إلا أن زلماي خليل قاطعه غاضباً “ليست جهودي وحدها وإنما هو قرار الولايات المُتحدة جميعها، ولاتنسون الجيش الأمريكي وكل القوات التي كانت تعمل بِمعيّتنا وتُعطي التضحيات في سبيل تثبيت حُكمكم الجديد بعد نظام صدام حسين، ولكن ماهي النتيجة أنتم تُكافئوننا بقصف سفارتنا في بغداد بالصواريخ وفيها القوات التي هي أساساً لحماية حُكمكم” كان جواب الزعيم (الشيعي) في تلك اللحظة مُرتبكاً ومُبرراً ذلك بوجود سلاح مُنفلت وميليشيات خارجة عن القانون، وعصابات مُنفلتة والجميع غير راضٍ عنهم ويحاول القبض عليهم وتقييد تصرفاتهم، إلا أن زلماي قاطعه غاضباً “هذا ليس صحيحاً وحقيقياً، والدليل على ذلك أنكم أصدرتم قراراً في مجلس النواب يقضي بالإنسحاب الأمريكي من العراق والتأكيد على ضرورة برمجة هذا الإنسحاب، لكن حسناً، أُريد منك توصيل رسالة للجميع قل لهم أن الأمريكيين سينسحبون بالكامل وأنهم قادرون أن يُسلّموا الحُكم لِمن لايُنكِر جميل من أحسن إليهم، وهذا ماسيحصل” ثم غادر زلماي المكان تاركاً هذا الزعيم مذهولاً ومصدوماً بما سَمِع.
تُرى هل أبلَغ ذلك المسؤول زُملائه من القادة الذين يجلس معهم على حوارات الطاولة المُستديرة رأي زلماي؟.
ربما، بل من المؤكد أن التمعُن في حيثيات هذه المقابلة لابد أن يستنتج خواتيم السياسة الأمريكية في العراق التي قد بدأت على مايبدو في أن تأخذ مُنحنى مُغاير للنظام السياسي في العراق وضرورة إيجاد بدائل تستوطن الفراغ السياسي البديل للحالي، لكن هل ستكون تلك البدائل شبيهة للنظام السياسي الموجود في طريقة الحُكم؟ إن كان كذلك فهو تكرار لإرتكاب الخطأ نفسه في تبديل فئة ووضعها مكان أخرى بنفس اللون والطعم والرائحة وهي من الخطايا التي قد لاتُغامر أمريكا بفعلها هذا دون الرضوخ والإستسلام للإرادة الوطنية التي تنتصر في النهاية مُحققة إرادة الشعوب.بعد أكثر من (١٩) عاماً لفشل السياسة الأمريكية فشلاً ذريعاً وما أنتجتْ يداها في العراق من منظومة سياسية بائسة حولته من حال سيء إلى أسوء بفعل التخبط والفوضى وإدارة الحُكم إلى مَنْ هُم دون درجة الوطنية أو مَن بمرتبة العُملاء والمُرتزقة، قد يكون الوقت حان لتعترف هذه الإدارة بخسارتها ورسوبها في مادة الديمقراطية التي أرادتها ثوباً مُهلهلاً للعراقيين، وجاء الوقت الذي تعتذر منه عن أفعالها وذلك الضرر الذي تسببته لبلد كان آمناً مُطمئناً، لكنها السياسات الخاطئة التي تُسوّل لهم تدمير الشعوب والحضارات.