مقالات

هل العراق مهيأ للطالبانية؟ – منقذ داغر

صعود الطالبانية الجديدة (خامساً)

هل العراق مهيأ للطالبانية؟ – منقذ داغر

إن اكثر ما يثير قلقي مما يحصل في افغانستان ، كعراقي هو إمكانية استنساخ التجربة في العراق. على الرغم من ادراكي للاختلافات الكبيرة والواضحة بين حالتي افغانستان والعراق ،الا ان هناك كثير من الظروف المشابهة التي يمكن ان تثير القلق. تكمن اهم الاختلافات بين التجربتين التي خرجتا من ذات المصنع الامريكي في ان العراق وبرغم كل الظروف تمكن من الوصول الى اتفاقات (رغم انها تبدو هشة احياناً) ضمنت اشتراك اطراف متعددة في القرار السياسي. كما انه وبرغم الفساد وعدم الكفاءة التي امتاز بها النظام السياسي العراقي وما نجم عنه من حكومات الا ان الوضع الاقتصادي (الناجم عن الريع النفطي)والاجتماعي والثقافي السياسي العراقي يبدو افضل بكثير مقارنة بافغانستان وليس مقارنة بالوضع الطبيعي الذي ينبغي ان يكون عليه العراق.كما ان تجربة داعش على مآسيها كشفت للعراقيين حقيقة هذا الفكر المتخلف من جهة فحرمته من حاضنته الشعبية ،فضلاً عن انها اكسبت القوات المسلحة العراقية بمختلف تشكيلاتها خبرة في مواجهة التنظيمات الارهابية. ان الثقافة المجتمعية العراقية أقل تقبلاً للفكر الديني الجهادي وممارساته المجتكعية من الثقافة الافغانية الريفية المحافظة.كما ان ظروف افغانستان ،وبخاصة الحرب الاهلية الاثنية وحرب السوفيت التي خاضها الافغانيون تحت راية الجهاد الاسلامي ، قبل الاحتلال الامريكي 2001 هي التي انتجت طالبان. فطالبان سبقت الاحتلال الامريكي.حرب اهليةاما في العراق وبرغم وجود اضطرابات امنية وقتال في العراق قبل الاحتلال ،الا انه لم يكن بصيغة حرب اهلية مشابهة لما حصل في افغانستان وانما بصيغة قتال بين نظام الحكم ومعارضيه أو الثائرين عليه في الشمال والجنوب. اخيرا فان مكانة العراق وأهميته الجيو ستراتيجية للمنطقة والعالم تجعل امكانية التفكير بسيناريو مشابه للسيناريو الافغاني من وجهة نظر امريكية على الاقل غير ممكنة حاليا.مع ذلك ينبغي عدم اغفال عوامل التشابه الكثيرة بين الحالتين الافغانية والعراقية. كلا البلدين دمرتهما وأثرت في بنيتهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحروب الطويلة منذ بداية الثمانينات. كلا النظامين تم انتاجهما في ذات المصنع الامريكي. ومع ان ظروف النشأة كانت مختلفة ،لكن لم يكن للشعبين الافغاني والعراقي الكلمة الفصل في النظام السياسي الناجم عن الاحتلال بخاصة وان معظم من تسيدوا المشهد السياسي في البلدين جاؤوا مع الاحتلال ونالوا بركاته. وتحولت الديموقراطية التي جاء بها الاحتلال الى مصنع لاعادة تدوير النفايات السياسية التي جاء بها المحتل. من جهة اخرى ،فإن المجتمع العراقي مثل الافغاني يتكون من عرقيات وطوائف مختلفة تم استثمار خلافاتها الدينية والعرقية سياسياً لبلوغ السلطة من قبل تجار السياسة والدين والقومية. كلا الشعبين عانيا طيلة فترة ما بعد الاحتلال الامريكي من فقدان مفهوم الهوية الوطنية الجامعة اولا ،وغياب مفهوم سيادة الدولة (داخليا وخارجياً) ثانيا ،وانحسار مفهوم المواطنة ثالثا ،وانتشار الفساد في كل مفاصل الدولة والمجتمع رابعاً ،وضعف الامن والخدمات خامساً ، وانتشار السلاح المنفلت سادساً. نتيجة لهذه الظروف جميعها فقد انعدمت ثقة الشعب بالدولة من جهة وبالمؤسسة السياسية من جهة ثانية وضعفت ثقة مكونات المجتمع ببعضها البعض من جهة ثالثة. وقد ادى ذلك الى فوضى عارمة ، واحباط مجتمعي شديد ،وفقدان الامل بالحاضر والمستقبل.ولا تبدو هناك ظروف افضل من هذه يمكن استثمارها من الجماعات المسلحة (وفي مقدمتها الجماعات الاسلامية) لفرض هيمنتها على السلطة بحجة عدم كفاءة النظام الديموقراطي والحاجة لحاكم قوي (اوما يسمونه بالعادل المستبد) لكي يستعيد ثقة المجتمع بالدولة ويفرض النظام ولو بقوة السلاح.وقد لاحظنا في 2014 كيف استثمرت داعش هذا الخطاب التحريضي لاقناع كثير ممن فقدوا الثقة بالدولة وقدرتها ، وعانوا من الظلم والتهميش وعدم الشعور بالمواطنة ،وبالتالي استثمرت هذه المشاعر السلبية لفرض سلطتها عليهم. هنا لا بد من الاشارة الى اني لا احذر فقط من احتمال عودة داعش او تنظيم مشابه لها في المناطق السنية فحسب بل اني أحذر من امكانية سيطرة جماعات مسلحة (دينية او عرقية) لمناطق مختلفة معتمدة على قدرتها ونفوذها في تلك المناطق من جهة ،وانعدام ثقة سكان تلك المناطق بقدرة الدولة وبالمستقبل من جهة اخرى. بالتالي يتحول العراق الى ثلاث مناطق (على الاقل) متنازعة وتخضع لحكم (القوي المستبد) ،او يتحول العراق الى مناطق نفوذ لامراء الحرب والسلاح .خلاصة القول انه مثلما هناك عوامل كثيرة تدعوني لاستبعاد امكانية السيناريو الافغاني فإن هناك كثير من العوامل الاخرى التي ترجح استنساخ ذات التجربة او شبيهةً لها في العراق.وعلى الرغم من اني ارجح استبعاد امكانية تكرار السيناريو الافغاني حتى ولو بطريقة واخراج مختلفَين الا اني كباحث مطلع على الشأن العراقي وتعقيداته لا يمكنني استبعاد هذا السيناريو تماماً.وكلما مضى زمن أطول قبل ان تستعيد الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية قدرتها على فرض سيادتها وتجريد كل منافسيها من قوى تحالف السلاح والمال الفاسد ،قدرتهم على التاثير في المشهد كلما زادت امكانية حصول شيء مشابه للسيناريو الافغاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى