هل التعبير يحتاج الى حرية؟
حمزة مصطفى
ضمن الدستور العراقي «حرية التعبير»، هذا ما تقوله المادة 38 وما يتعهد بضمانه المثقفون الليبراليون والناشطون المدنيون الواقفون ضد قانون « جرائم المعلوماتية»، أي دستور في العالم لا يضمن حرية التعبير؟
أستطيع القول إن كل الدساتير في العالم، من دون إستثناء تضمن هذه الحرية، بنسب متفاوتة ربما من بين ما تضمنه من قضايا أساسية تتعلق بالدين والأعراف والتقاليد، فهذه المسائل تكاد تكون من المشتركات في دساتير الأمم، منذ أن بدأت الحياة الدستورية في العالم، حيث يعد الدستور الأميركي أقدم دستور ما زال معمولا به.
أين تكمن المشكلة إذن؟ هل تكمن في حرية التعبير، التي هي فطرة إنسانية تحتاج فقط الى تحديد أولويات صياغتها ضمن ظروف أي مجتمع، أم هي في الدستور الذي يضمنها ويورط الجميع في سياقاتها التطبيقية المقبلة؟
السؤال طويل لكن إجابته سوف تكون مختصرة ومن مفردتين فقط وهما «حرية التعبير»، من هذه النتيجة، التي نزعم أننا انتهينا اليها، يبرز سؤال جديد، هو ما المقصود بحرية التعبير التي نحتاج الى ضوابط تسمى الدستور لتأطيرها، بحيث لا تخرج عن أعراف وتقاليد المجتمع، بما في ذلك أنظمته السياسية والإقتصادية والاجتماعية والفكرية؟
أنا هنا أطرح أسئلة أكثر مما أتبنى إجابات، لأن مشكلتنا تكمن من وجهة نظري في ندرة الأسئلة، التي ينبغي طرحها، لا في كثرة الإجابات التي هي في الغالب الأعمم تذهب مذاهب شتى، ولا تصل الى نتيجة، وبالعودة الى عنوان المقال «هل يحتاج التعبير الى حرية؟»
أقول العكس هو الصحيح، الحرية هي التي تحتاج الى «تعبير»، الذي هو مجموعة الرسائل والأهداف التي تحدد آليات وطرائق التفكير في مختلف المجالات والميادين، التي هي في النهاية مجالنا الإنساني، الذي يفصلنا عن المملكة الحيوانية، فإذا كان العقل المتمثل بالنطق، أي بالتعبير هو ما يفصلنا عن الحيوان، بحيث صار الإنسان بعرف أرسطو حيوانا ناطقا، وهي التسمية التي لم تتزحزح عن موقعها حتى الآن، بالرغم من آلاف السنين، التي تفصنا عن صاحبها أرسطو (384 ـ 322 ق. ب) فإن النطق أي التعبير هو مجالنان الذي نفتخر به عن كل المخلوقات، في النهاية «التعبير» هو المقدس والحرية سياقه التطبيقي فقط.