هشام
بقلم: هادي جلو مرعي
تاخذك الأفكار والعقائد الى آفاق تتسع، ومديات بعيدة، ولكنك تستطيع العودة الى إنسانيتك حين تفكر في الطريقة المثلى لتعيش حياتك، وتتواصل فيها، ولهذا يحبك كثر، ويبغضك القليل، وربما العكس حين تنهزم قيم الأخلاق في مواجهة قيم المادة كما هو الحال في يومنا هذا، حيث تتعرض القيم الأخلاقية الى الركل والدفع والإهانة والتهميش والتضييع والتغييب المتعمد، ويفسح المجال كله لقيم المادة لتسيطر على نفوس، وعقول البشر، والأدهى إن غالب البشر متنمرون، ماديون، غاضبون، حاسدون، حاقدون، باحثون عن فرص، وقد ينهبون فرص الآخرين، وفوق ذلك هم عديمو الإحساس، فتجد السياسي يشكو، والموظف يشكو، والضابط يشكو، وموظفة الحسابات والبنك تشتكي، والمعلم يشتكي، وأستاذ الجامعة يشتكي، وربما الجميع بلاإستثناء يشتكون وهم يملكون مالايملكه العاطلون عن العمل، وكثير منهم يسافرون، ويستمتعون بحياتهم، ويشترون العقارات في بلدان أخرى، وهنا يجد التذكير بالحديث المأثور، إن الله حين وزع العقول لم يعترض من أحد والجميع رضي بعقله، ورآه أرجح العقول. وحين وزع الله الأرزاق لم يرض أحد برزقه، ورآه قليلا، بينما هو ينتظر المزيد، ويريد المزيد من المال والجاه والمناصب والرفعة المادية. لهذا السبب كان التأكيد على العلم، وليس المال في وصايا الأنبياء والعلماء والصالحين والعارفين لأن المال ينفد بالإنفاق، بينما لاينفد العلم بل يزيد ويفيض، والعلم يرفع الإنسان، ويعلمه التواضع. يقول الله تعالى في وصف الإنسان عندما يرتقي في المناصب، ويحصل على الأموال ( إن الإنسان ليطغى إن رآه إستغنى).الراحل هشام الهاشمي برغم مروره بمنعطفات فكرية وعقائدية، وتحولات شتى، لكنه حافظ على الشيء الأهم وهو الأخلاق والإنسانية، ولذلك نعاه مختلفون عنه، وآخرون أحبوه عن بعد ليس لأنهم يعرفونه، بل لأنه إنسجم في بعض طروحاته مع مزاجهم وتوجهاتهم، وربما كانت الظروف التي جمعتني به صادمة لكنه لم يكن حريصا على إستفزاز الآخرين، بل كان يقترب من أرواحهم غير أن هناك توجهات وأفكارا ربما لانستطيع تجنب أن ندفع حياتنا ثمنا لها، ولكم جلسنا وتحاورنا، وصلينا الظهر معا وتناولنا الطعام، وكان حديثه سهلا ووجهه بشوشا، غير متجهم كعادة الناس في أزمنة الرعب.رحمك الله ياهشام الهاشمي رحمة نتمناها لكل من توسد الثرى، وفارق الدنيا الفانية، فنحن لم نر منك إلا كل خير.