هجرة الفقير..والغني
فاتح عبد السلام
لا توجد أسباب تدل على الترف في زيادة نسبة المهاجرين من البلدان العربية الى أوربا، فرحلة الهجرة من اشد أنواع المغامرات النفسية والجسدية والقانونية خطورة، وغالباً ما تنتهي نهايات كارثية في أعماق البحار. الدول الساحلية في القارة الشقراء باتت نقاط التماس الأولى مع المهاجرين الذين لا يزالون يتدفقون من شمال افريقيا عبر الدول العربية طبعا وخاصة تونس وليبيا. الفقر وعدم الاستقرار السياسي والتدخلات الخارجية عوامل في تكوين ارض خصبة لتوليد الهجرات المتعاقبة. فرنسا وبريطانيا اتفقتا قبل أسابيع على السيطرة على الهجرة غير الشرعية بإجراءات قانونية صارمة تنص على عدم استقبال أي مهاجر مهما كانت الأسباب.
لكن هذه الإجراءات القانونية لن تمنع المهاجرين من الوصول الى السواحل البريطانية برغم المصير المجهول الذي ينتظرهم.انها معركة وجود بين عالمين.
المهاجرون سيصبحون بعد حين شعوباً لكثرة أعدادهم، ولن يكونوا جزءاً من شعوب، لذلك نجد الرئيس الفرنسي ماكرون وهو يلتقي زعيمة إيطاليا ميلوني يشدد أنه «على المدى القصير جدا، نحتاج إلى النجاح في وقف تدفق المهاجرين من تونس” ليس هناك وقت للانتظار والتأخير في اتخاذ القرارات لدى الدول المستهدفة بالهجرة.
هناك مخاوف جدية ذات طبيعة استراتيجية في العواصم الغربية إزاء القدرة الاستيعابية للاجئين، ليس من الناحية المالية، وانما هناك تحديات ثقافية ودينية متراكمة عبر ستين سنة ولا يريدون تكريسها، بل يطمحون الى تفكيكها منذ سنوات عديدة، لاسيما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001 عبر برامج الاندماج الاجتماعي، التي مهما كانت كبيرة تبقىِ عاجزة عن فكرة التذويب التي ينادي بها بعضهم.أحياناً، تكون الهجرة لدى الدول الفقيرة سلاحاً لكي تجتذب من خلاله الدعم الغربي، ولكن الهجرة التي لم تنقطع من العراق في خلال عشرين سنة من التغيير في طبيعة الحكم، توحي بأنّ الأسباب ليست اقتصادية ومعيشية فقط، لأن هناك عوائل تبيع بيوتها بمئات الاف الدولارات وتعطيها للمهربين بحثاً عن حياة في مكان آخر، تلك مسألة لا تفكر الدولة العراقية بتفكيكها بشكل علمي ومن ثم انساني واجتماعي عادل.لم يكن المهاجرون من العراق دائماً فقراء، كما في دول عربية أخرى، هنا الهجرة ترتبط بأسباب استحالة استمرار حياة الانسان عندما يكون أمنه الشخصي مهدداً، ولا أحد يكفل له الحماية. وهذا كان ما قبل احتلال البلد وبعده أيضاً، وانحسرت الظاهرة لكنها لم تنته.