نواب الزعماء
نواب الزعماء – ياس خضير البياتي
لا ترى في دنيا السياسة في العراق ما يسر القلب والعقل؛ براكين تشققاتها متجذرة في قشرة العملية السياسية، لا تخرج منها إلا حمّم نارية حارقة، وغازات سامة محبوسة، وأفعال سخنة بالرماد الأسود المشبع باليورانيوم المخصب بالطائفية.
وهي أيضاً ثورات متقلبة بالمزاج؛ تثور على فترات متقطعة حسب الحاجة والمصالح، لتشكل بالتالي هضاباً من البؤس والأوجاع والكوارث.
مقالب سياسية، ومناكدات صبيانية، وثورات عابرة، ومستنقعات حوارية لتأمين خزائن الأحزاب بالمال الحرام، ومناكفات وصدامات مُفعلّة بالقناصين، وثورات مُجهزة بالريموت الداخلي والخارجي، ومعارك لصوصية للاستحواذ على منابع النفط المستباح والمهدور، وصدامات بسلاح الهاونات والقنص.
صراعات خفية تتأزم بين رؤساء الأحزاب بالمؤامرات والنميمة والأحقاد، وصراعات شوارع تحتدم حسب الطلب، حيث الناس تذهب وتثور بتغريدة عابرة. أو ” لفة ” شاورما من غربان الخراب؛ ساسة صبيان بفعل فاعل، وجمهور خانع مفعول به.هناك مجلس معطل منذ أشهر، ونواب عاطلون عن العمل، لقاء راتب شهري لا يتوقف. لا تراهم بين الجمهور إلا ما ندر، بل تراهم يتسكعون في مقاهي وملاهي دبي وبيروت وإستنبول ووارشو وبيلاروسيا والسويد وهولندا. وإذا ما وجدت بعضهم فابحث عنهم في مضيف الشيخ، واستراحة رئيس الحزب، وباحات الفنادق ومطاعمها. ستجدهم بعضهم في حالة طوارئ يتقاسمون المصارف والمشاريع والوزارات، وماتبقى من “خردة “الوطن.يطلقون عليهم “نواب الشعب” بينما هم نواب الزعماء، يحركهم الزعيم الأوحد بالريموت الطائفي، وقنابل الفتاوي. ليس لهم حصانة الرأي والاختلاف، عيونهم عمياء مغلوقه، وآذانهم طرشاء لا تسمع سوى صوت “القائد المظفر” و”السيد المبجل “.
يجتمعون بالأوامر العليا، ويصوتون باسم رئيس الحزب. فلا الشعب موجود بينهم، ولا حقوق الفقراء تناديهم، وتُشعل مشاعرهم؛ جماد القلب في الدنيا، ومغفرة مؤجلة في الآخرة.صار البلد تحكمه شلة من القادة الذين لم يرى الشعب مثلهم في التاريخ؛ خربوا البلاد خراباً هائلاً باسم الحريات والديمقراطيات، وجوعوا العباد وظلموهم وأذلوهم، وأفرغوا الوطنية والكرامة من النفوس، ودمروا سيادة الوطن بالذل وجعلوه مستعمرة تافهة، وهيكل دولة مخلعة، وأصبحوا سماسرة عمولة على بيع كسر البلد وركامه، وخربوه ونتفوا ريشه، ونهشوا لحمه، وطحنوا عظامه، ومع كل هذا الخراب فأن نواب الشعب في سكرتهم غافلون، وإرادتهم في استلام مشين.
أحياء أموات!صاروا ملكاً طابو للأحزاب واللصوص، ومافيات متنقلة، حيث النائب يباع بدنانير الحرام، وتشترى الذمم في سوق مجلس الزعماء. لم يعودوا نواباً لشعب الحارات العراقية، وإنما نواباً لحزب فائض الحاجة والقيمة، ولحاكم لص خلع اثواب الرحمة.عندما اقتحمت المنطقة الخضراء من قبل الشعب صار مجلس النواب سوقاً للسمك والخضروات، وحضيرة للحيوانات من البقر والغنم والإبل والحمير، فأعطى رمزية قوية للمكان ووظيفته، وأسقط هيبة المجلس الذي أبتعد عن الشعب وهمومه.
وبغض النظر عن أتفاقنا واختلافنا عن الممارسة، فأنها تعكس صورة الفوضى والخراب الذي صنعته الأحزاب الحاكمة، وعداوة الشعب للنخب السياسية.ما تقرأه من تغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي تجعلك واثقاً بان ما يكتب يدمي قلب الشعب، ويشفي غليله، حيث براكين غضب في النفوس تشبه براكين فيزوف.
قال أحد المغردين تعليقاً على صورة الحيوانات أمام مجلس الشعب “هذه الحيوانات التي دخلت للخضراء أشرف من الحيوانات التي دخلت بعد 2003 وأكلت الشعب وأمواله ومعه الأخضر واليابس” ويرد عليه آخر ” هذا تجاهل للحقيقة … الدواب والجاموس والأبقار والحمير متواجدة منذ 2003 والى الآن ” وآخر يؤكد ” والله لو مربين 300 بقرة داخل البرلمان أفضل “.
وهناك تعليقات أقسى وأقوى لا تصلح للنشر!تقول العرب “عند جُهينة الخَبر اليقين”، والخبر هذه المرة جاء من المحكمة الاتحادية التي قالت كلمتها الأخيرة: أنتم السبب في “تعطيل مصالح الشعب وتهديد سلامته، وسلامة البلد بالكامل ” وأنتم عطلتم الدستور وهدمتم العملية السياسية فلم ” تلتزموا بأحكام الدستور وتجاوزتم عليه من خلال تجاوز المدد الدستورية “.
أنتم ” لا تمثلون أنفسكم ولا كتلكم السياسية، وإنما تمثلون الشعب “. نقطة راس السطر!نعم المجلس موجود في الحصاد، ولكن “منجله مكسور “، حيث نوابه في إجازة استجمام في الخارج، وأموال الفقراء تتدفق عليهم بلا حساب بالمليارات، والشعب غارق في الفقر ومستنقعات المجاري، وظلام الكهرباء والأوجاع.يكشف رئيس حركة امتداد علاء الركابي بأن “النائب الواحد مع حمايته ووقود سيارته يكلف الخزينة 30 مليون دينار عراقي شهريا، مضروباً في 328 نائب، ويكون مجموع المبلغ 9 مليار و840 دينار عراقي شهرياً”. بينما فقراء بلادي يعملون ليل نهار لقاء “تفاليس” من النقود لاتسمن ولاتغني من جوع!هدر في المال العام، ولصوصية مُشرعنة؛ نائب نائم وعاطل، وقابض مال الشعب الحرام، ومقاول حرامي، يتبجح زوراً انه من أهل البيت، والآخر من أهل بيت الله الحرام. الكل يتحدث عن مخافة الله، وحب الشعب والتضحية من أجله، ويتبرون من الفاسدين. لا ندري من هو الذي أفرَغ خزائن مال العراق، وأهداه الكوارث والنكبات، ورماه بالنازلات الماحقات، وهَدَرَ الدماء الزاكيات الطاهرات؟ يجيب مغرد بتندر: “أكيد الشعب “؟!
انتهت هيبة النائب في القلب والعقل بمدارك الشعب، وصار فعلاً مجهولاً في الجملة العراقية، وفعل مبني بأفعاله المصلحية والانتهازية، ومجروراً بالفرجة والتندر، حيث تُضرب به الأمثال العراقية ًفي شوارع مدن العراق “جَنَة خراعة خضرة، لا شغل ولا مشغلة، من قلة الخيل شدوا عالجلاب سروج، يثرم علينا بصل، ويطير علينا أفياله، وشعيط ومعيط وجرار الخيط “.
والأمثال تُنتج من البيئة، وتشتعل في الأزمات والفواجع!
بالمختصر المفيد، ليس هناك حل للداء إلا “دواء الكي” من خلال تعديل الدستور المُفَخَخ، واستقالة النواب قبل أن تصبح شوارع العراق أنهاراً جارية من الدم لإنقاذ ما تبقى من وطن تأخذه تلابيبه ثقافة الفساد والتشطير الطائفي والجغرافي.
ما عادت دنيا العراقي سوى جفاف في العيش، ووجع في الفؤاد. له همّ لا يُرجى زواله، وغمً لا يُوجد شفاؤه. ما عاد الشعب يرى نفسه في مجلس نواب الزعماء اسم مرفوع.الصيحة الأخيرة؛ الطَّلاقُ بالثَلاث دون رجعة!