الاولى نيوز / بغداد
فيما تقدر خسائر العراق، منذ عام 2003 من النفط المهرب والمصدر بطرق غير شرعية الى الخارج قرابة، 210 مليار دولار، يعتزم نواب في البرلمان العراقي، التصويت على قرار قانون يلزم الحكومة الاتحادية بمخاطبة بعض الدول للكشف عن جميع المسؤولين المتورطين بعمليات بيع وتهريب النفط. فمن يقوم بهذه السرقة؟ ومن يحميهم؟ وأين تذهب العوائد المالية الناجمة عن هذه السرقة؟.
جمعت النائبة سميرة الموسوي، تواقيع 93 نائبا لمطالبة الحكومة بقائمة جميع المسؤولين المتورطين بعمليات بيع وتهريب النفط. كما طالبت الموسوي ايضا الحكومة بـ”مخاطبة تركيا وامريكا والدول الاوربية ودول اخرى، من اجل تجميد اموال مسؤولي حكومة الاقليم المودعة في المصارف ومصادرتها وتحويلها الى خزينة الدولة العراقية، لكي يتسنى للحكومة اداء واجباتها ازاء مواطني الاقليم في تلبية احتياجاتهم ومنها دفع رواتب الموظفين”.
وتقول الموسوي في حديث لـ” الاولى نيوز ” ان هناك مسؤولين في اقليم كردستان متورطين بسرقة النفط وتهريبه الى خارج البلد”، مبينا ان “عوائد تلك العمليات تذهب الى البنوك العالمية في تركيا وبعض الدول الكبرى، حتى وصلت ثروة البعض منهم اكثر من 50 مليار دولار”.
يسلك المهربين عدة طرق، لتهريب النفط، عبر الموانئ الجنوبية في البصرة باتجاه الكويت وإيران، والمنافذ الشمالية إلى تركيا، المنافذ الغربية إلى الأردن وسوريا. وأن النفط المهرب تتم سرقته وهو مادة خام من الأنابيب التي يتم ثقبها أو من المستودعات أو ببيع كميات من المشتقات مخصصة لدوائر حكومية أو شركات، أو بإعادة بيع المشتقات النفطية المستوردة من الخارج والمدعومة حكوميا، مما يجعل أسعارها أرخص من الدول المجاورة، أو بتحميل كميات إضافية من الصادرات النفطية عبر الموانئ العراقية مستفيدين من ضعف الرقابة وعدم وجود أجهزة قياس مضبوطة لاحتساب الكميات المصدرة.
بقول رئيس لجنة النفط والغاز في مجلس محافظة البصرة علي شداد الفارس، ان هناك تجاوزات على بعض انابيب النفط، فيما تسعى الشرطة المحلية والاجهزة الرقابية لرصد تلك المخالفات. بين ان “الشرطة المحلية والاجهزة الرقابية تحاول الحد من عمليات تهريب النفط التي يقوم بها بعض الاشخاص وبشكل محدود لا يعكس حقيقة الارقام التي تتحدث عن تهريب للنفط بمعدل 300 ألف برميل يوميا”. مضيفاً أن هذه الارقام مبالغ فيها وغير دقيقة “.
يصدر العراق نفط البصرة من خلال ميناءي البصرة والعميّة العائمين .
وبدوره النائب عن محافظة البصرة صادق محنا، كشف مطلع العام الحالي خلال مؤتمر صحفي عقده في بغداد، عن وثائق تثبت سرقة يوميّة لـ300 ألف برميل من نفط البصرة تتمّ عبر عدّادات النفط الملعوب بها من قبل بعض المسؤولين.
وقال إن “هناك عمليات تهريب للنفط تجري عبر الموانىء العراقية بسبب العدادات غير الدقيقة يقدر حجمها بـ (100- 300) الف برميل يومياً “، مبيناً أن “قيمة مبالغ النفط المهرب تصل الى 20 مليون دولار، وما يقارب السبعة مليارات دولار سنوياً”.
أما عملية تهريب الغاز فتتم بطرق أخرى حيث تنتظر في عرض البحر سفن هندية وإيرانية واماراتية وكويتية ويتم تهريب الغاز من البصرة بسفن صغيرة تفرغ حمولتها في هذه السفن الآجنبية التي تتجه بعدها الى ميناء البصرة لتفريغ حمولتها من الغاز. محنا، كشف أيضاً أن “الباخرات التي تخرج من الموانئ تحمل ضعف حمولتها المسجلة”، مشيراً الى “مشروع لم ينجز منذ عام 2008 لنصب عدادات دقيقة لاحتساب النفط”.
ولم يقتصر الأمر على نفط الجنوب فقط وإنما امتدت عمليات السرقة والتهريب إلى نفط الشمال ففي كركوك على سبيل المثال تذكر تلك التقارير أن العشائر من القرى المجاورة تقوم بعملية تخريب لأنابيب النفط بإحداث ثقوب فيها وتسرق منها آلاف الأطنان يوميا، وأن المكلف بحماية الأنابيب هم من أهل القرى التي تمر بها، فمن يحميها هو في الغالب من يقوم بسرقتها.
وفي الغالب تتم عمليات التهريب، باشتراك من بعض الدول المجاورة وبتواطؤ من “عناصر في الشرطة والجمارك العراقية وبمشاركة مسؤولين في الدولة ومشرفين على القطاع النفطي”، هذا ما ذهب اليه النائب عن التحالف الوطني فالح الخزعلي، قائلا في حديث خص به ” الاولى نيوز “، ان “نفط اقليم كردستان كان يهرب عبر منفذ الفيشخابور وابراهيم الخليل الى تركيا وايران”.
واضاف ان “هذه الدول كانت لها النسبة في تسهيل عمليات تهريب النفط”، فيما تحجج بعدم امتلاكه معلومات بشأن وجود اموال التهريب في ايران او لا، مكتفيا بالقول، “اغلب الاموال في تركيا”.
ويعد ملف النفط من أكثر الملفات غموضاً في الإقتصاد العراقي، إذ أنه لم يتم إطلاع الرأي العام على العقود التي تبرمها وزارة النفط، إضافة إلى مراحل إنجاز العقود وآليات العمل في هذا القطاع حالياً.
سامي خلف، مهرب نفط وضابط سابق في مخابرات النظام السابق يتحدث عن تجربته التهريبية بالقول :” نحن المهربون على سبيل المثال نشتري ناقلة النفط بسعر قليل قد يصل الى 4200 دولار ونبيعها الى الاردن بمبلغ 15000 دولار، اذ نبيع بالاسبوع ثمانية ناقلات على الاقل “.
ويتحدث خلف، عن الصعوبات التي تواجه عمله، فهو يضطر لدفع رشوة قد تصل احياناً الى 650 دولاراً لضباط نقاط التفتيش لتمرير شحناته المهربة. ويؤكد مسؤولون في المخابرات العراقية، ان المسلحين يستخدمون محافظة الانبار ممراً لتمرير النفط المهرب الى الاردن، باعتبارها محافظة مرتبطة حدودياً مع البلد المجاور، فهم يقولون، ان الانبار الآن مركز رئيسي لتهريب النفط الخام العراقي من ثلاثة حقول رئيسية وهي حقل عجيل شمالي تكريت والقيارة وحمرين.
وأصدرت وزارة النفط بياناً في 25 كانون الثاني/يناير ردّ على اتّهام السرقة عبر العدّادات، قائلاً: “العراق يعتمد أدق المعايير الدوليّة في تصدير النفط العراقيّ عبر موانئ التصدير، وتشرف على هذه العمليّة جهات رقابيّة محليّة ودوليّة”.
وأكّد البيان أن الوزارة تعتمد “على منظومة عدادات إلكترونيّة حديثة معايرة، وفقاً للمعايير العالميّة ذات شهادات نافذة ومصادق عليها من قبل الشركة الفاحصة العالميّة “Intertek” التي تشرف على عمليّات التحميل وتدقيق الكميّات المصدّرة عبر العدّادات والمصادق عليها”.
بدوره يقول الخبير النفطي حمزة الجواهري، ان “النفط المهرب اصبح اهم مورد من موارد الدولة، بعدما تم استباحته من قبل بعض المافيات والاحزاب والشخصيات الحكومية المتنفذة، وتنظيم داعش في فترة سيطرته على بعض الحقول النفطية في شمال وغرب العراق”.
وبين في حديثه لـ” الاولى نيوز ” ان هناك بعض الدول سمحت بمرور النفط المهرب من خلال اراضيها وعبر الموانئ التابعة لها، الأمر الذي شكل الاستنزاف الأكبر للاقتصاد العراقي في السنوات الأخيرة”، الى ذلك اقر الجواهري في صعوبة تهريب النفط في الوقت الراهن بسبب العملية المعقدة التي تستخدمها الشركات النفطية الأجنبية”