نظام فاسد ..أمن فاسد !
فلاح مشعل
ظاهرة الانحطاط الاخلاقي وسلوك الابتزاز والتسليب والعدوانية تكاد تشكل ظاهرة متوارثة في المؤسسة الأمنية العراقية، لكنها تفاقمت على نحو مخيف بعد 2003 ، وللظاهرة أسبابها ؛ أغلب هذه التشكيلات أصبحت ذات طابع طائفي وليس وطني، تغلغل افراد الاحزاب والميليشيات فيها وخضوعهم لمرجعياتهم الحزبية والمليشياوية وليس قوانين الدولة واخلاقيات الواجب، والظاهرة الأشد غرابة هي جماعة (فلان) أي المحاصصة الحزبية والشخصية لوزارات ومؤسسات الأمن العراقي، بمعنى أن هذا الجهاز قوي ولا أحد يتحرش بعناصره مهما أساؤا .. لأن رئيس الجهاز الأمني قوي ويقف وراءه حزب أوميليشيا وهنا يصبح الجهاز الأمني تابعا لتوجهات الحزب أو الميليشيا التي يمثلها ومنفصلا عن السياق القانوني أو الدستوري للدولة، هذه الاسباب والظروف الذاتية التي سنأتي على تفصيل بعضها، ساهمت بمنع صناعة الأمن في العراق بعد 2003 .الاستلاب التتابعي للمؤسسة الأمنية كرس سلوكا غابت عنه الضواط القانونية والأخلاقية، وأقصد هنا ضعف القبضة الأمنية القانونية المتمثلة بالمؤسسات الشرطوية والأمنية عموما وخضوعها بل خوفها من التكوينات الميليشياوية والحزبية والحمايات الخاصة، جعل من المؤسسة الأمنية الحكومية بكونها ضحية ضعيفة تبحث عن الضحية الأضعف وتمارس معها أبشع مضمرات العقد النفسية والاخلاقية والشهوية والتربوية، والضحية هنا المواطن الاعزل الذي لاينتمي لحزب نافذ او ميليشيا .مشهد الصبي العاري وهو يستجوب ويعذب ويهان دون وازع من حياء او اخلاق كان ومازال يُمارس بجميع ساحات التظاهر ، ومايشبه هذا يحدث في غالبية مراكز الشرطة العراقية وبجميع المدن وخصوصا في بغداد، وترتفع وتيرة العدوانية والاستهتار السلوكي لهذا الضابط او ذاك المنتسب أو تلك المجموعة إذا كانت ترتبط بأحدى الميليشيات المعروفة أو السرية، أو حماية فلان أو علان الفاسد الذي يتحكم بشؤون مصائر الدولة والعباد .أزمات اخلاقية مرضية يغذيها تخلف ثقافي وقانوني ونزعات عشائرية وحزبوية وطائفية، واقع حال مبارك من نظام سياسي فاسد يدفع مؤسسات الدولة “المعنية بحماية المواطن وحقوقه”، باتجاهات عنفية لإضطهاد المواطن واستلابه معنويا وماديا، دون ضوابط او لوائح سلوكية محددة وانماباطلاق كوامنه الانتقامية في ممارسة السلطة، والغاية هنا ليس تحميل المواطن معاناة إضافية بسلوكيات فالته عن القيم الاخلاقية السوية، بل في استدراج المواطن لمواقع استلابية لاتجعله يفكر بفساد الطبقة السياسية وسرقتها للوطن وخوض النضال السياسي في استرداد حقوقه الوطنية، وأنما يفكر في حماية نفسه من شراذم مجاميع وتشكيلات تنتهج مبدأ الغاب دون تحريم او حدود انسانية أو اخلاقية وبعناوين مجازة ومهابة سلطويا .هذه الظواهر بتنويعاتها الهائلة تصدم ملايين المواطنين يوميا في السيطرات والسجون ومراكز الشرطة وحتى في بعض الدوائر المدنية، ظواهر افرزها نظام سياسي فاسد لتكريس نمط استلابي اضافي للمواطن يجعله يشعر بثقل العيش في مجتمع يريد أن ينزع عنه كرامته وسياقه الانساني، ولم يبق أمامه من اختيار سوى القبول بالمذلة والتنازل عن حقه أو الدفاع عن نفسه بالتمرد في ردود افعال عدوانية وارهابية، وتلك دوافع تراكمية فعالة للثورة على النظام السياسي الفاسد الذي يكرس امتهان كرامة الفرد عبر مؤسسات قمع بلا اخلاق أو شرف مهني وقانوني .النظام الوطني ينبغي أن يبدأ بمعالجة هذه الظراهر السيئة والمتفاقمة التي تدمر المجتمع، والشروع ببناء الانسان وخصوصا المنتسب للدولة ومؤسساتها وفق قواعد تكرس النظام وسلطة القانون وليس النزعات الذاتية المنحرفة والفاسدة كما يحدث الآن ببالغ الأسف .