نساء داعش.. إرث التنظيم المتجدد.. ومنبع جيل الارهابيين الجديد
بعد هجوم قوات سوريا الديمقراطية الأخير على منطقة الباغوز لوأد ما تبقى من عناصر تنظيم داعش في آخر معاقله، انتشرت على نطاق واسع مقاطع مصورة لخروج مئات من أسَر مقاتلي التنظيم المحاصرين في المنطقة أو الذين قتلوا خلال المعركة الضروس الجارية.
المقاطع التي جرى تداولها في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كشفت عن تباين الأيدولوجيات والأفكار لدى زوجات عناصر التنظيم؛ ما وسّع من دائرة الجدل بشأن مستقبل أولئك النسوة وعودتهم إلى المجتمع في ظل تزايد عدد التقارير الواردة عن الانتهاكات الجارية بحقهم في مخيمات احتجازهم.
ويظهر أحد مقاطع الفيديو الذي اطلعت عليه ‘المدار’، زوجة مقاتل في التنظيم الإرهابي وهي تتحدث بجرأة وثبات عن شجاعة زوجها والمسلحين الآخرين في الباغوز «الذين يقاتلون في سبيل الله من أجل إقامة دولة قائمة على الشريعة الإسلامية»، حسب وصفها، معبّرة عن رضاها لخروج النساء من المنطقة لأنه مثّل «استجابة لأمير الدولة أبو بكر البغدادي».
حديث المرأة التي بدى جليًا انتماؤها إلى تنظيم داعش لم يستغربه المتابعون لقضايا الإناث في التنظيم، فقبلها جرت العادة أحيانًا أن تشارك نساء داعش بقوة في الهجمات الانتحارية أو المعارك العسكرية، وعدا ذلك، أعربت كثير من اللواتي جرى اعتقالهن عن انعدام شعورهن بالندم أو الأسف للالتحاق بالمجموعة الإرهابية التي سيطرت على مساحات شاسعة من أراضي دولتين قائمتين وتحظيان بدعم دول كبرى كالولايات المتحدة وروسيا.
الأم مدرسة.. ماذا لو كانت داعشية؟
في دراسة أعدّها الخبير في شؤون التطرّف روس فرينيت تبيّنَ أن الإخلاص للقضية قوي لدى هؤلاء النساء كما هو لدى الرجال تماماً، وأنهن يعملن كمشجعات لشنّ هجمات إرهابية في أوطانهن الأصلية. وليس ذلك فحسب، فالنساء تشاطر الرجال بشعور المتعة الذي ينتابهن عند قطع الرؤوس أو رمي الأشخاص من أعالي السطوح.
وضرب فرينيت قصة كتيبة نسائية أسسها التنظيم من أجل مهام فرض الالتزام على عوام الناس من النساء «بتعليمات الشريعة» وإجبارهن على نمط حياة ولباس معيّن في الأراضي التي سيطر عليها داعش بسوريا حيث سئلن بضعة نساء من أصل 600 امرأة منتميات إلى الكتيبة حول ممارساتهم، وقلن إنهن قاموا بتعذيب سجناء خلال خدمتهن وإنهن استمتعن بما فعلنه.
تشكل هذه القناعات هاجس خوف لدى المنظمات الدولية والمحلية العاملة في العراق وسوريا من أن تكون هؤلاء النساء منبعًا مستمرًا يغذي جيلًا كاملا من المتطرفين مع انعدام جدية الحكومتين في بغداد ودمشق تجاه معالجة مشكلة نساء داعش.
في عام 2014، سافرت شابة مغربية عشرينية سمّت نفسها ‹زارا› إلى سوريا، بعد فترة قصيرة من إعلان داعش قيام «الخلافة»، ثم عملت على إقناع زوجها بالانضمام إلى التنظيم ونجحت في ذلك فذهب وقاتل حتى «صار شهيداً للخلافة»، حسب تعبيرها.
وعند عودتها إلى بلدها، قالت في لقاء صحفي إنها «ستنشئ أولاداً وبناتاً أقوياء وستخبرهم عن الحياة في دولة الخلافة»، مضيفة أن «أولادها وأحفادها سيعيدون دولة الخلافة يومًا ما».
إصرار ‹زارا› ومثيلاتها على مواصلة الحرب في الجبهة الفكرية رغم خسارة الجبهة العسكرية يعمّق الفجوة بينهن والأشخاص المعنيين على إعادة دمج عناصر تنظيم داعش العائدين إلى بلادهم في المجتمعات.
مع ذلك، يقلل الصحفي العراقي أنس البدري من القلق الكبير الذي انتاب أوساط متعددة إزاء احتفاظ الهاربين من دولة «الخلافة» بأفكارهم المتطرفة وعزمهم على نشرها وتوريثها.
ويقول البدري، إن نسوة داعش لا يستدعين هذا التخوّف، وإن برامج حكومية جادة لنزع التطرف منهن بالتحديد كفيلة لدرء تنشئة أجيال جديدة من داعش.
وتابع الصحفي الشاب قوله، إن «إعادة توطينهن يتطلب تدريب ورقابة المنظمات الدولية، والتوظيف الفعلي للدين والتركيز على جوانبه المتعلقة بالتعايش والسلام مع الآخرين المخالفين لمعتقداتهم»، مضيفاً أن «أساس إعادة التوطين يجب أن يبنى على نزع فكرة الخلافة من أذهانهن، وبيان أن الحياة متغيرة والمجتمعات تطوّر أنظمة وأشكال جديدة لحكمها وإدارتها».
جدية الحكومات في نزع فتيل التطرف
وتبدو إعادة توطين ودمج نساء تنظيم داعش عبر برامج مكثفة ورقابة يقظة حلا نموذجيًا قابلا للتنفيذ على أرض الواقع، إلا أنه يصطدم بجدية متبددة لحكومات الدول التي تأوي النساء في معالجة التطرف والأفكار الإقصائية لديهن.
الصحفي العراقي مشرق عبّاس يرى أن إعادة دمج نساء داعش في المجتمع ليست عصية أمام التسوية الاجتماعية إذا ما توفرت النية، وينظر إلى أن التأهيل الصحيح أولوية أكثر من العودة نفسها.
ويؤكد عباس خلال مقال منشور في صحف عربية، أن التأهيل السليم والصحيح يكتسي أهمية بالغة؛ لأنه يطال الأطفال من تلك العائلات، وسيحدد مستقبلهم ومآلات توجهاتهم.
ويستدل على ذلك الباحث العراقي في قضايا الإرهاب والاستخبارات محمد جاسم بالسياسة التي انتهجتها ألمانيا مع المقاتلات وزوجات المقاتلين العائدات إلى بلادهن، حيث يصدر القضاء أحكامًا مخففة وقد يتسامح مع الزوجات ولا يخضعهن للمحاكمة إذا لم يكن متورطات سعيًا إلى ضمان خروج المشتبه بهن بحالة أفضل من حالتهم قبل أن تبدأ محاكماتهم أو سجنهم، وهذا يشمل تقديم استشارة نفسية أيضا.
وهذا وفقاً لما يقوله مراقبون يشير إلى ضرورة أن تعمل بعض الدول التي باشرت في الرحلة العلاجية لنساء داعش المتطرفات فكريًا بالضغط على الحكومة العراقية طلبًا لتنفيذ برامج تأهيل لمن بقين من النساء، وهو مقترحٌ له وجاهته، خصوصًا أن هذه الدول ساهمت في هزيمة التنظيم عسكريًا ولها قدرة التأثير على بغداد في إطار استمرار الحرب ضد داعش حتى فنائه.
لسنَ كلهن «نساء داعش»
من معطيات الوجود على الأرض، يتحقق للمراقبين تضاؤل نسبة هذه الفئة من النساء بين المحتجزات كافة؛ إذ تظهر اللقاءات المستمرة التي تجري معهن أن كثيرًا من النساء قد غرر بهن أو أنهن أجبرن على البقاء مع أزواجهن ولم يتمكن من الفرار ولا يحملن أفكارًا مؤيدة للتنظيم ومناصرة له، ولا يمتن إلى أيدولوجيته بصلة.
وينتقد الكاتب العراقي أسعد البصري تسمية «نساء داعش»، مبررًا ذلك بأنهن سيداتٍ عراقيات من عشائر المجتمع العراقي وقد تزوجن من أشخاص بايعوا تنظيم داعش وقتلوا في المعارك، محذرًا في الوقت ذاته من أن تولّد أزمة هؤلاء النساء ثأراً بين بعض العشائر في المستقبل.
ويقول البصري إن بعض زوجات عناصر تنظيم داعش عجزن عن الفرار بسبب سوء أوضاعهن المالية ورفضهن النزوح إلى المخيمات لأسباب مختلفة.
من جانبه، يقول أحمد محسن المحامي من محافظة نينوى التي احتلها التنظيم، إن مئات النساء في مدينة الموصل تزوجن من مقاتلي التنظيم مكرهات، وبعضهن اكتشفن انضمام أزواجهن إلى التنظيم بعد سقوط المدينة بيدهم، متابعًا أن هؤلاء النساء لم يكنّ منتسبات في التنظيم ولم يرتكبن أي جرم.