نريد وطناً
د. كريم شغيدل
على الرغم من قدم التسمية التي تنسب العراق إلى أوروك، أو عيراقو أو ما شاكل ذلك، ومن ثم أرض السواد، وما تحمله لفظة(عراق) من دلالة على القدم، إلا أن العراق دولة وبلداً أو وطناً ذا حدود جغرافية معلومة قد تم تحديده عقب اتفاقية سايكس بيكو، بعد أن كان مقسماً إلى ثلاث ولايات على أيام الاحتلال العثماني، والتأسيس الحقيقي له بوصفه كياناً سياسياً كان تحديداً في العام 1921م، ومن هنا تنامت فكرة الوطن، وقد حاول الملك فيصل الأول أن يؤسس لمفهوم الأمة العراقية، إلا أن الأيديولوجيات القومية واليسارية وحتى الإسلامية، قوضت تلك الفكرة الواقعية لصالح يوتوبيات الأمة الأشمل والأممية الأعم، إذ تعدت مفهوم الوطن إلى حدود مفتوحة عربية أو دولية، مع ذلك بقيت فكرة الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه فاعلة ومتنامية وذات وقع أخلاقي وقيمي، على العكس مما شهدته الساحة العراقية من ارتداد أو انكفاء على ولاءات فرعية للقومية أو الدين أو الطائفة أو المذهب وصولاً للعشيرة والمنطقة وما إلى ذلك.ترى هل غابت أو اضمحلت فكرة الاعتزاز بالانتماء للوطن أمام موجات التنافس على الولاء للقوى الخارجية أم لأحادية الولاء المحلي الضيق؟ إن كلا العاملين أثرا تأثيراً متبادلاً لإفراغ فكرة الوطن من محتواها الأخلاقي والقيمي، وقد تجسد ذلك عبر مخططات مشبوهة لإذكاء جمرة الصراع بين أبناء الوطن الواحد، ومن ثم إفساد العلاقة بين الفرد ووطنه عبر التخريب والقتل والنهب وتفشي الفساد بمختلف أشكاله ودوافعه وفي كل مفاصل الدولة والمجتمع، إذ كان الولاء الصميمي للوطن يشكل وازعاً أخلاقياً وقيمة عليا، حتى في زمن الدكتاتورية كانت هناك بقايا من ذلك الولاء الحقيقي، ومن كان نزيهاً وخادماً للمصلحة العامة، ليس شرطاً أن يكون موالياً للنظام أو مؤمناً به، بل كان يعمل بدافع وطني، ولاؤه الجذري للوطن يحتم عليه أن يعمل بإخلاص ونزاهة، ولا ينتظر من يجزيه أو يكافؤه على ذلك.أعتقد جازماً أن الحراك التشريني الذي رفع شعار(نريد وطن) سار بالاتجاه السليم لاستعادة المنظومة الأخلاقية والقيمية للوطن والاعتزاز بالانتماء الخالص إليه، ضارباً بعرض الحائط كل الولاءات المزيفة الأخرى.