نحو 100 عام على إعلانها.. يوم أصبح العراق دولة ملكية
في 23 أغسطس/آب 1921 شهد العراق إعلان الملكية بتتويج الملك فيصل على العرش، في مراسم جرت في ساحة مبنى القشلة ببغداد، لتبدأ مرحلة مفصلية في تاريخ العراق الحديث.
بدأ الملك فيصل الأول عهده في وضع اللبنات الأولى لمؤسسات الدولة والتي لا تزال معظم أنظمتها قائمة حتى يومنا هذا، مما جعل الكثيرين يطلقون عليه لقب “مؤسس الدولة العراقية”.
مؤسس الدولة
ويرى أستاذ التاريخ الحديث في جامعة الموصل والمؤرخ إبراهيم خليل العلاف أن الملك فيصل باني مجد العراق ومؤسس دولته الحديثة، وهو من وضع ركائز الدولة المالية والإدارية والاقتصادية والثقافية والعسكرية.
ويلفت العلاف إلى، أن”الجيش العراقي تأسس بعد تتويج فيصل الذي أقام بدوره نظاما تربويا وعدليا وقضائيا وماليا رفيع المستوى مستعينا بعدد من القادة والمستشارين”.
وواصل فيصل شق طريقه نحو استقلال العراق وإنهاء الانتداب البريطاني عليه، حيث أبرمت معاهدة عام 1922 بعد مفاوضات طويلة، ليتحول الانتداب إلى ما يشبه الحكم الذاتي تحت الإشراف البريطاني، بعدها جرى تعديل هذه المعاهدة، ودخل العراق في عصبة الأمم كدولة شبه مستقلة.
محطات ومنجزات
يقول المحلل السياسي نجم القصاب إن المرحلة الملكية كانت أفضل الفترات التي مر بها العراق، مشيرا إلى أن أبرز إنجازات الملكية هي تطبيق للقوانين، وإنجاز المشاريع، وعلى رأسها الجسور والمحطات والسكك والمصانع.
ويشير القصاب إلى أنه على الرغم من معاناة الشعب العراقي حينها من أزمات معيشية فإن فترة الملكية كانت الأفضل حالا مقارنة بباقي الدول العربية.
من جانبه، يعتبر المؤرخ والخبير القانوني طارق حرب فترة حكم فيصل الأول مرحلة بناء للدولة العراقية، تبعتها فترة الملك فيصل الثاني التي حققت للعراق إنجازات مختلفة وتكاملا سياسيا واقتصاديا وعمرانيا.
وبحسب حرب، فإن إعلان الملكية تزامن مع زيارة الأمير فيصل للأماكن الدينية في النجف وكربلاء حتى تتويجه يوم 23 أغسطس/آب 1921، مشيرا إلى أنه تم إجراء شبه استفتاء على الملك -حينها- جاء بتأييد الأكثرية.
أما العلاف فيقول إن فيصل أنشأ دولة قوية وحقق الاستقلال وأدخل العراق في عصبة الأمم عام 1932، وبنى نظاما ماليا وإداريا وقضائيا ممتازا، وأنشأ جيشا وطنيا، مشيرا إلى أنه اتبع سياسة خارجية مستقلة، ونظم العلاقات مع تركيا وإيران وبريطانيا، ووصل بالعراق إلى دولة مستقلة حتى وفاته عام 1933.
بعد وفاة فيصل الأول تولى السلطة من بعده ابنه غازي الذي كان شابا متحمسا ومندفعا، ولديه طموحات قومية ساعدته على تشكيل مجموعات سياسية يغلب عليها هذا الطابع.
ويوضح العلاف أن الملك غازي توج عام 1933 بعد وفاة والده فيصل الأول، مشيرا إلى أنه كان معارضا للسيطرة البريطانية ومهتما بدعم القضية الفلسطينية.
ويضيف أن غازي طالب بضم الكويت للعراق، وأنشأ إذاعة في قصر الزهور تطالب بها وتدعو إلى الوحدة العربية، وأفسح المجال للضباط القوميين العرب، كما رعى الفتوة والكشافة لتأجيج الشعور القومي العراقي، وأفسح المجال لضرب تمرد الآشوريين (الآثوريين)، حسب قوله.
وأثار مقتل الملك غازي الكثير من التكهنات والتفسيرات في حينها، وبشأن ذلك يؤكد العلاف أن غازي دعم انقلاب الفريق الركن بكر صدقي 1936، وتخلص من بعض السياسيين، ولذلك قال السفير البريطاني حينها كوريس باترسن “إنه لا بد من تحجيم غازي أو التخلص منه”.
وتابع المؤرخ حديثه قائلا “عندما قتل غازي بحادث اصطدام سيارته عام 1939 ثار الشعب العراقي واتهموا الإنجليز بقتله، وهاجم الموصليون القنصلية البريطانية وقتلوا القنصل مونك ميسن، فغضب الإنجليز على الموصل وعاقبوها بقصفها بالطائرات عام1941 وقتلوا عددا كبيرا من المواطنين على إثر هذه الأحداث”.
من جانبه، يقول القصاب إن غازي توفي بحادث مروري حينما اصطدمت سيارته بعمود كهرباء.
ويشير القصاب في حديثه إلى أن هناك من قال إن الحادثة عملية قتل وقف خلفها الوصي على العرش آنذاك عبد الإله بن علي، ورئيس الوزراء حينها نوري السعيد.
يوضح العلاف أن فيصل الثاني أصبح ملكا بعد مقتل غازي، وكان حينها طفلا (في الرابعة من عمره)، فتولى الأمير عبد الإله بن علي -ملك المملكة الحجازية- الوصاية عليه حتى عام 1953.
وبحسب العلاف، فإن فيصل الثاني توج وتسلم سلطاته الدستورية عام 1953، واستمر عهده حتى ثورة 14 يوليو/تموز 1958 التي انتهت بسقوط النظام الملكي وإقامة جمهورية العراق.
ويرجح العلاف أن أسبابا داخلية تتعلق بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية أدت إلى الإطاحة بالملكية العراقية، إلى جانب أسباب خارجية تتعلق بربط العراق بالغرب، وبحلف بغداد، ومقاومة المد القومي في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
وأضاف أن “الشباب -سواء من العسكريين أو من منتسبي الأحزاب- شعروا أنه لا مجال لهم للمشاركة في الحكم، واقتصار السلطة على شيوخ العشائر والإقطاعيين والرجعيين ومحاربة الوطنيين من شباب الأحزاب”.
من جانبه، يرى طارق حرب أن “الإطاحة بالحكم الملكي جاءت بسبب المد الناصري”.
تقلبات وتحولات
شهد العراق خلال مراحل تحول الحكم في الفترة الملكية تقلبات سياسية، وبحسب العلاف فإن السياسة العراقية الخارجية انحازت للغرب، وأقيم حلف بغداد مع تركيا وإيران وبريطانيا وباكستان والولايات المتحدة، مما ولد نقمة لدى الشعب، فنظم العديد من الاحتجاجات والمواجهات مع النظام الملكي في سنوات ما بين 1936 و1956.
ويضيف العلاف أن المعاهدات مع بريطانيا كانت جائرة، حيث إنها أقامت قاعدتين عسكريتين في الحبانية بمحافظة الأنبار، والشعيبة بمحافظة البصرة.
ويشير إلى أن العهد الملكي لم يفسح المجال للشباب، لذلك هناك من يفسر ثورة 14 يوليو/تموز 1958 على أنها نوع من الصراع بين الجيل القديم الذي حكم العراق منذ 1921، والجيل الجديد المتمثل بالأحزاب الوطنية والقومية والديمقراطية.
وبحسب العلاف، فإن العراقيين آنذاك كانوا يعانون من تسلط نوري السعيد، واعتماده على عدد محدود من السياسيين، كما كان التعليم محدودا، لافتا إلى أنه كان يجب على التلميذ شراء الكتب المدرسية، وإن لم يستطع فإن عليه جلب وثيقة من مختار المنطقة يثبت فيها فقره.
ويشير إلى أن 16 عائلة سيطرت في تلك الفترة على كل أراضي البلاد الزراعية، فضلا عن تكبيل العراق بالمعاهدات الجائرة مع بريطانيا والانحياز إلى الغرب وعقد حلف بغداد، ومعاداة التوجه الوطني والتوجه القومي العربي.
الملكية بعيون العراقيين
يرى العلاف أن للعراقيين موقفا إيجابيا من العهد الملكي بسبب ما خبروه من مصائب وحروب وحصار وعنف حتى الغزو الأميركي عام 2003 وما بعده، قائلا إن كثيرا من الشباب الذين لم يعيشوا في العهد الملكي باتوا يرونه أفضل الفترات.
من جانبه، يؤكد القصاب أن العراقيين باتوا اليوم يترحمون على المرحلة الملكية التي عاشها العراق، لافتا إلى أن هذه النظرة العراقية جاءت بسبب سيادة الالتزام والقوانين والاستقرار في ذلك العهد.
ويتفق حرب مع ما قاله القصاب على أن العراقيين يتحسرون على انتهاء فترة الحكم الملكي في البلاد