نحن وأوروبا
علي حسن الفواز
اوروبا ليست قارة في المريخ، ولسنا- ايضا- بلدا معزولا ويصعب التواصل معه، فالعالم اصبح “قرية كونية” كما قال ماكلوهان، وأن اكثر شروط هذه القرية أهمية وأهلية هو التواصل، والذي يعني تأمين المجالات والعلاقات التي توفّر فرص التعاطي الثقافي والجيوسياسي مع واقعية هذا التواصل.
العلاقات الحضارية، والسياسية والاقتصادية مع أوروبا تكتسب فاعلية حقيقية، من خلال تعزيز ستراتيجية الحوار والتفاعل، وتحويل هذه العلاقات الى ميادين عمل، والى اتفاقات وبرامج تدخل في سياق التنمية وفي تطوير ماهو سياسي وثقافي وعلمي، بعيدا عن “الذاكرة الكولنيالية” لأوروبا، وعن حساسية التاريخ، فالعالم ماعاد خاضعا لأوهام ذلك التاريخ، مثلما هو عدم قبوله بـ “سرديات” صنّاع الحروب الصغيرة.
العراق بلد كبير، له مكانة في العالم تاريخا وحاضرا، وبقدر ماعانى من ظروف صعبة ومعقدة، ومن حروب عشوائية وحصارات وصراعات اهلية، فإنه ظلّ يملك على الدوام فرصا كبيرة للتطور، ولتجاوز ذاكرة الحرب، ولمشكلاته الاقتصادية، وفتح آفاق عملية لاستثمار علاقاته مع العالم، ومنها أوروبا التي تجد في العراق بلدا حيويا، وستراتيجيا، وسوقا واعدة، وهذا مايجعل العلاقة معها محكومة بعوامل التاريخ والجغرافيا والسياسة والمصالح الاقتصادية، وهي عوامل واقعية ينبغي للسياسة العراقية تأمينها في ظل خياراتها لمواجهة سلسلة طويلة من الازمات الاقتصادية المعقدة.
زيارة السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الى دول اوروبا الكبرى تدخل في هذا السياق، على مستوى تأطير العلاقات السياسية، وتوسيع مديات العلاقات الاقتصادية، لاسيما في المجال الاستثماري، وعلى مستوى اهمية ابراز واقعية السياسة العراقية إزاء كثير من الملفات، ومنها مايتعلق بالملف الأمني، وبالعلاقات مع المحيط الاقليمي ومع الولايات المتحدة، وعلى قدرة الحكومة على ضبط تلك الملفات، بوصفها مجالا سياديا، ومجالا يعزز ثقة العالم بالعراق.
إن توصيف هذه الزيارة بالمهمة، ينطلق من طبيعتها، ومن النتائج التي يمكن أن تحققها، وأن تستثمرها في مجال تعزيز الواقع السياسي والواقع الاقتصادي، وفي خلق فرص حقيقية وواقعية لمواجهة الأزمات، بوصفها ازمات ترتبط بسوء ادارة الملفات من جانب، وبتشوه العلاقات وعدم وضوحها مع العالم ومع اوروبا بالذات من جانب آخر، ومن هناك نجد الحاجة ولزومها قارّة وضرورية لإعادة النظر كثيرا باهمية تفعيل العلاقات السياسية مع العالم الصناعي والحضاري الذي تشكّل اوروبا فضاءه الكثير، ومساحاته الواسعة.
