نتوجه لكم بهذا النداء لأن العراق يمر هذه الأيام بمنعطف سياسي خطير
أ.د. كاظم المقدادي
عبر وسائل الأعلام المتعاطفة مع إنتفاضة تشرين في العراق
إيمانا منا بان الجيش هو حقاً سور الوطن المنيع وحامي حماه ، وان الشرطة في خدمة الشعب، ونحن واثقون من وجود كثر من القادة المهنيين الوطنيين الغيارى والضباط الشرفاء المخلصين للشعب والوطن في المؤسسات العسكرية العراقية،نتوجه بندائنا هذا الى القيادات العسكرية في الجيش والشرطة الأتحادية ، اَملين ان تتفاعل معه بإهتمام وجدية..
منذ أكثر من ثلاثة أشهر يتظاهر شبية العراق سلمياً وهم يطالبون بحقوق مشروعة ضمنها الدستور وكفلها القانون..يريدون وطن ودولة المواطنة والعدالة والمساواة لهم ولأطفالهم وللجيل القادم تؤمن حياة حرة كريمة ومستقبل أفضل لجميع المواطنين..ولهذا الغرض يطالبون بحكومة جديدة مستقلة وكفوءة ونزيهة، قادرة على تنفيذ المهام الأنية والملحة للمرحلة الأنتقالية، وتشرع بعملية التغيير الجذري والشامل،السياسي والأقتصادي- الأجتماعي، وفي مقدمته تحسين الظروف المعيشية والخدمات العامة، وإسترداد الأموال المنهوبة، وتقديم قتلة المتظاهرين السلميين وحيتان الفساد الى القضاء العادل، الى جانب الأعداد لإنتخابات مبكرة عادلة ونزيهة، بعد صدور قانون الأنتحابات والمفوضية العليا للإنتخابات وتفعيل قانون الأحزاب..
لقد طالت كثيراً فترة التظاهر والأحتجاج الشعبي، والسبب الأول والأخير هو إقدام الطغمة الحاكمة الفاسدة على المماطلة والتسويف، بدلآ من الأستجابة الفورية لمطالب الشعب المشروعة، الى جانب القمع الدموي الوحشي على أيدي الأجهزة الأمنية القمعية ( قوات ” مكافحة الشعب” و ” سوات” و ” الردع السريع” و ” الصدمة”)،والمليشيات المسلحة المنفلتة، الذي راح ضحيته أكثر من 1000 شهيد وشهيدة و25 ألف جريح و 5000 معوق جسدياً و نحو 3000 معتقل ومغيب.. وما تزال تتواصل وتتصاعد عمليات إختطاف وإغتيال نشطاء ساحات الأعتصام بتواطىء الحكومة وأمام أنظار الأدعاء العام ومجلس القضاء الأعلى والمحكمة الأتحادية، التي لم تحرك ساكنا، وصمت ولا أبالية وعدم أكتراث مجلس النواب..
رداً على جراءم القتل العمد والقمع الدموي الوحشي،الذي طال لحد الآن أكثر من 30 ألف عراقياً وعراقية تحولت التظاهرات الى إنتفاضة شعبية عارمة، جسدتها التظاهرات المليونية كل يوم الجمعة، والأعتصامات في ميادين الأنتفاضة في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب.وقد صمدت الأنتفاضة وتعاظمت بفضل الدعم الشعبي المتزايد لها..
ان الغالبية العظمى من المتظاهرين والمعتصمين في المحافظات المنتفضة هم من الشبيبة الواعية والطامحة بعراق أفضل، ترفرف على ربوعه رايات الأمن والأستقرار، ويعيش كافة مواطنية بكرامة وسعادة.. والمتظاهرون والمعتصمون يمثلون الطيف العراقي بكافة قومياته وطوائفه وأديانه وتوجهاته السياسية والفكرية.. وبينهم أخوة لكم وأولاد عم وعمة وخال وخالة وأقرباء اَخرين وزملاء وأصدقاء وأولاد محلاتكم ونواحيكم وأقضيتكم ومدنكم.. وما يطالبون به يهم ولصالح الغالبية العظمى من العراقيين، بما فيهم العاملين في مؤسسات الدولة،وبضمنها العسكرية، وحتى الذين وقفوا يتفرجون على الأنتفاضة..
نتوجه لكم بهذا النداء لأن العراق يمر هذه الأيام بمنعطف سياسي خطير بسبب نقل الصراعات وتصفية الحسابات الاقليمية والدولية على ارضه،والضحية هو شعبنا الذي يتهدد أمنه ومستقبل اجياله ، وهو لا ناقة له ولا جمل في هذا الصراح.
وضمن هذا الصراع الذي لا مصلحة فيه لوطننا وشعبنا، يتعرض الحراك الشعبي المطالب بحقوق الشعب المشروعة الى مؤامرة خبيثة جديدة، مرسومة ومخطط لها في خارج الحدود..
فبعد فشل كافة المحاولات لأخماد أنتفاضة تشرين الباسلة،، بما فيها القمع الدموي الوحشي، وصمود الأنتفاضة وتعاظم زخمها، إنتقل المناوئون لها والمغتاضون منها الى التاَمر عليها من خارج الحدود،بتوجيهات خارجية، سعياً لوأدها.
المؤسف ان تأتي ضمن هذه المساعي الدعوة التي أطلقها السيد مقتدى الصدر- قائد “جيش المهدي” و” سرايا السلام”، من إيران، يوم الثلاثاء 14/1/2020، الى تظاهرة مليونية لـ ” التنديد بالوجود الأمريكي وإنتهاكاته في العراق”،والتي سرعان ما أيدها قادة: ” منظمة بدر” و”حركة النجباء” و “كتائب سيد الشهداء” و ” حركة عصائب أهل الحق” و ” كتائب الأمام علي” وغيرها من المليشيات الموالية لأيران.. وبعد سويعات من الدعوة إنطلقت تهديدات علنية سافرة من قادة فصائل مليشياوية لا ضد الأمريكان والقوى الخارجية المحتلة العراق،كما يفترض، وإنما ضد انتفاضة تشرين..
ولعل أقبح التهديدات وأخطرها ما أطلقه علي الحسيني- أحد قادة ” الحشد الشعبي”- علنا وبصراحة ووضوح، معلناً بان المليونية: “ستكون ثورة للقضاء على ساحات التظاهر”، و”ستكون ثأراً للمهندس و سليماني”، متوعداً بـ “سحق” المعتصمين في ساحة التحرير، واصفاً اياهم بأقذر وأحط الصفات وبكلمات نابية مشينة.. والغريب والمريب ان الأدعاء العام لم يحرك ساكنا، كالعادة، تجاه الدعوة للقتل ..
التظاهرة المليونية الموعودة ضاهرها “التنديد بالوجود الأمريكي وإنتهاكاته”، وباطنها فضحته تهديدات قادة المليشيات المسلحة للمتظاهرين والمعتصمين السلميين..
السؤال الذي يطرح نفسه: ما العلاقة بين “التنديد” بالوجود الأمريكي وإنتهاكاته والأنتفاضة الشعبية ؟
هل المتظاهرين السلميين من شبيبة العراق، وبينهم الألوف من هم بعمر دون العشرين، هم من جلب الأمريكان والأتراك والأيرانيين ليتواجدوا ويهيمنوا وينتهكوا كرامة شعبه وسيادته ؟!!
أم أن من جلبهم هي حكومات المالكي والعبادي وعبد المهدي ؟!
ان التظاهرة المليونية المزمع إنطلاقها في بغداد، في يوم الجمعة المصادف 24 / 1/ 2020، هي موضع شك ان أصر منظموها على إجتياح ساحة التحرير، فهذا يؤكد المخاوف بأنها لا تستهدف الأمريكان، وإلا لنظموها في المنطقة الخضراء وأمام السفارة الأمريكية.. وإنما هي تستهدف أنتفاضة تشرين والمعتصمين في ساحة التحرير والساحات الأخرى..وتؤكد صحة من إعتبرها “عمل مريب” ووصفها بـ” مؤامرة مفضوحة”.والدليل على ذلك هو التهديدات الوقحة لقادة المليشيات المسلحة،التي نشرت علناً، بإبادة المتظاهرين والمعتصمين ..
يا قادة وضباط المؤسسات العسكرية الغيارى:
نتوجه إليكم بندائنا هذا،مستندين الى وعد قادة الجيش بحماية المتظاهرين حتى تحقيق مطالبهم، ونطالبكم بتحمل مسؤوليتكم التأريخية في هذه الأيام الخطيرة ووجوب حماية المعتصمين السلميين،ضمن واجبكم بالحفاظ على السلم المجتمعي، وعدم السماح باراقة المزيد من الدماء العراقية الزكية- دماء شبيبة العراق البواسل الذين رفعوا رأس العراقيين عاليا وهم يطالبون بوطن وبحياة كريمة ..
ان الغالبية العظمى من المتظاهرين والمعتصمين السلميين في بغداد والمحافظات المنتفضة الأخرى هم من الطبقات والشرائح الفقيرة والمهمشة، نزلوا الى الشوارع مطالبين بحقوقهم المشروعة.. وهم لا
علاقة لهم لا من قريب ولا من بعديد بالوجود الأمريكي وأي وجود أجنبي اَخر، بل هم أساساً ضد الوجود الأجنبي عموماً وضد إنتهاكات سيادة العراق.. إنما المسؤول الأول والأخير عن الوجود الأجنبي في العراق، وعن إنتهاكاته وحتى جرائمه، هو الطبقة الحاكمة والأحزاب السياسية الفاسدة المتنفذة، وبضمنها أحزاب وكتل الداعين لتظاهرة التنديد بالوجود الأمريكي..
يزعم منظمو التظاهرة المليونية المخطط لها بأنها ستكون تظاهرة “سلمية ” وبمثابة ” إستفتاء شعبي” لطرد الأمريكان، بينما في الحقيقة والواقع ما هي إلا تظاهرة ” لأبراز عضلات” المليشيات الوقحة. والحق كل الحق مع المعتصمين في ساحة التحرير الذين أعربوا عن تخوفهم من ان تكشف المليشيات المسلحة عن حقيقتها كذئاب مفترسة ستنقض عليهم وهم لا يحملون سوى العلم العراقي..
وبصريح العبارة نحن وإياهم نتخوف من ان يرتكب المتظاهرون المليشياويون مجازر جديدة مع سبق الأصرار والترصد.. فثمة دلائل كثيرة تؤكد الشكوك بان الهدف الأساس للتظاهرة هو سحق المحتجين على الطغمة الحاكمة الفاسدة التي نهبت البلد و دمرته..
ان الشبيبة المنتفضة على الفاسدين والمهيمنين على السلطة والمال والنفوذ، الذين نهبوا ثروات البلد وخربوه وأفقروا الشعب وأهانوه وأذلوه، هي أمل العراق وفخره، وهي عماد بناء مستقبله الأفضل..
من هذا المنطلق تستوجب الأمانة المهنية والوطنية والأنسانية منكم يا قادة وضباط المؤسسات العسكرية الغيارى ان تلعبوا دوركم المشرف، خاصة في هذه الأيام، وأكثر من أي وقت مضى، في حماية شبيبة الوطن من القتل على أيدي بلطجية السلطة..
ونقولها بكل صراحة ان حمايتكم للمتظاهرين والمعتصمين السلميين من القتلة هي حماية أيضاً من انحدار البلد نحو التصعيد الخطير واللعب بالنار و جر العراق من جديد الى مستنقع الحرب الأهلية..
أملنا كبير بالقادة والضباط الغيارى في الجيش والشرطة الأتحادية ان تكون لهم وقفتهم المطلوبة لمنع المزيد من سفك دماء الشبيبة العراقية، ودرء إنزلاق البلد نحو الهاوية !