مَن أخرج إسرائيل من الجنة؟
د. فاتح عبدالسلام
ما حققته اسرائيل من مكاسب في ظرف زمني قصير، كان حصيلة ثقيلة أكبر من توقعاتها أو حتى أحلامها. ليس في مواجهات الأقصى في القدس أو في حرب غزة أو في حرب سابقة في جنوب لبنان، ولكن من خلال ما صبّته الدول العربية من منافع جمّة لا حصر لها في جيوب اسرائيل عبر الحروب الداخلية والطائفية والصراعات بين الطوائف والجماعات والامنيات والتنظيمات، وما تبعها من معاهدات واتفاقيات تطبيع أغضبت الفلسطينيين وأشعرتهم بتضيق الطوق عليهم فوق عزلتهم الجغرافية في الداخل والشتات، وفي غضون ذلك ارتفاع صوت المعارك الحقيقية او الوهمية ضد النفوذ الايراني في الشرق الاوسط، فضلاً عن زيارات سرية لزعامات وشخصيات سياسية عربية الى تل أبيب، وتلك جميعها أمور وأحداث وتطورات أنتجت يوما بعد آخر مصطلحات بديلة لمصطلح كان عنوانا جامعا لعقود من الزمن هو القضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي. بل انَّ اسم قضية فلسطين يكاد يمحى من الادبيات السياسية لمعظم البلدان العربية وساعد في ذلك الانقسام الداخلي الفلسطيني بين محور فتح ومحور حماس. كل ذلك الانجاز بالأصالة أو بالنيابة فقدته اسرائيل في بضعة أيام على يد بنيامين نتانياهو المتعطش للبقاء في السلطة بأي ثمن بعد خسارته في الانتخابات وتكليف زعيم المعارضة الاسرائيلية يائير لابيد تشكيل الحكومة. لم تخسر اسرائيل شيئاً كبيرا من مكاسبها على يد أي من قادتها يوماً، حتى في الحروب العربية السابقة كما خسرت على يد نتانياهو في ايام قليلة ، جرى فيها توحيد الشارع الفلسطيني والتحام الاجنحة السياسية مع العسكرية وانكشف هزال اصدقاء اسرائيل الجدد وحراجة الموقف أمام العالم الذي تصله حقائق القصف المفرط والضحايا الاطفال بالرغم من تدمير المبنى الذي كانت تتمركز فيه وكالات وقنوات عالمية مهمة . تبخرت في القدس وغزة بغضون أيام نتائج تداعيات المنطقة الشرق أوسطية التي أفادت منها اسرائيل بكل هدوء ومن دون أي خسائر، منذ احتلال العراق وتدميره المتتابع بعد العام ٢٠٠٣ وماجري في سوريا وليبيا وبقية بلدان ما يسمى بالربيع العربي. إسرائيل كانت رافلة في جنّة مصطنعة بفعل نكبات العرب في بلدانهم، لكن هل ستسأل إسرائيل نفسها مَن الذي أخرجها من تلك الجنة في ليلة وضحاها؟