موسم كشف الاسرار
فاتح عبد السلام
في كل عام جديد تشرع دول عدة بإزاحة الستار عن وثائق تاريخية عمرها يتراوح بين خمسين وعشرين عاما بحسب قوانين السرية لكل دولة.
ويكون الكشف عن الوثائق بشكل مدروس وتدريجي، فبعض الدول يتيح الوثيقة والمعلومات السرية للباحثين المرخصين من مراكز البحوث المعترف بها حصراً، وهناك تراخيص تمنح للأكاديميين، فضلاً عن التسريبات التي تنعش الصحافة العالمية الباحثة عن البريق والمدهش.
وتبقى وثائق الدول الكبرى هي الأغنى والأكثر اثارة لما يتضمنه ارشيفها من معلومات تخص أبرز الاحداث لمعظم الدول، لكن هناك بين الدول الكبرى ومنها روسيا والصين لا تمارس تقليد المكاشفة، حتى لو مضى على الاسرار قرن كامل، بالرغم من بعض الاستثناءات التي قامت بها موسكو قبل سنوات حول اسرار حقبة الحرب العالمية الثانية.
إنَّ بعضَ الاسرار يبقى محرجاً للدول عند كشفه حتى لو مضى نصف قرن عليه، أمّا الدول التي تكشف عن وثائق عمرها عشرون عاماً، فهي تقدم الحقائق مصحوبة بمنظور تبريري وتفسيري من اللاعبين السياسيين الذين كانوا أبطال احداث مرّت عليها تلك الوثائق، لأنها تخص فترات قريبة جدا في السياق التاريخي. ومن ذلك ما كشفته وثائق الحكومة الاسترالية مع مطلع هذا العام بشأن المشاركة الاسترالية في حرب الولايات المتحدة لاحتلال العراق.
والوثائق محدودة العدد تمثل نصوصا لمناقشات في مجلس الوزراء الأسترالي وبعض الاتصالات الدولية في تقييم مستوى الخطر الذي كان يمثله العراق على النظام الدولي، وتمضي الحكومة الاسترالية بالتعليق اليوم بالقول انّ القرار الأسترالي كان مناسباً لظرفه الدولي، بالرغم من انّ التبريرات تبدو واهنة وغير مهنية بعد سنوات من كشف التحقيقات الامريكية والبريطانية عن انّ مسوغات الحرب بدافع أسلحة الدمار الشامل كانت أكذوبة مشت وراءها كبرى الأجهزة الاستخبارية في العالم مغمضة العيون من دون تفسير واضح لذلك الانقياد الاعمى نحو حرب خرجت جميع الدول منها خاسرة أو من دون مكاسب باستثناء ايران التي لم تعلن مشاركتها رسميا في تلك الحرب، الامر الذي يعطي صورة واضحة عن ازدواجية المقلب الذي وقعت فيه الدول الغازية والعمياء.وفي ايرلندا جرى رفع السرية ايضاً عن وثائق تخص حقبة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وكيف كانت ايرلندا تحرض في فترة تلقي الجيش الايرلندي السري المساعدات من ليبيا على أن ينتقم القذافي من مارغريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية في تلك الحقبة من خلال ربط التجارة الليبية مع دبلن بدل لندن.غير انّ الحقيقة الكبرى لا تظهرها الوثائق المكشوف عنها مهما كانت درجة الشفافية، لأنّ أحداثاً مثل حرب العراق تخللتها جرائم عظيمة نالت من شعب كامل، وتلك مسؤولية تاريخية لا تجرؤ اية دولة على تحمّلها علناً من دون سياق تبريري وتسويفي، كما يحدث عندما يكتب الأقوياء التاريخ دائماً.