موازنة البلد ودخل البقّالين
موازنة البلد ودخل البقّالين د. فاتح عبدالسلام
يتحدث وزير المالية عن خطة الموازنة الجديدة للعراق في العام ٢٢٠٢ ، وسط توقعات بنشوب صراع جديد بين الكتل السياسية في البرلمان . وهذا الصراع ليس كما يحصل في برلمانات العالم من اجل تفضيل قطاع انتاجي او خدمي في الحصول على الحصص المناسبة من الموازنة ، لكن من اجل تسيير عجلة التعيينات وتدفق الموارد من غنائم الوزارات نحو الأحزاب والشخصيات التي يرتهن مصير العراق بأيديهم الملوثة منذ سنوات. الموازنات العراقية تشبه (دخل) بقال يبيع كل مواده اليوم وفي اليوم الثاني يتصرف برأس المال ولايبقى له سوى الملاليم الذي لا تؤهله ان يعيد التسوق لملء دكانه أو احياء رأسماله المبدد. كيف سيكون الحال لو رفع البنك الأمريكي الفيدرالي يده عن إيداع إيرادات النفط العراقي كل شهر، ماذا سيحصل وأين سيصبح مصير قيمة الدينار المحلي. وبهذه المناسبة ، لماذا لا نسمع صوت احد دعاة رفض وجود القوات الامريكية رافضا رهن الثروة المالية بيد واشنطن عن طيب خاطر؟ هل لأنَّ الجميع يعلم انَّ العالم سيتناهب الايراد النفطي العراقي تحت طائلة الديون القديمة والتعويضات، وعندئذ سوف تتضرر المصالح الفئوية والحزبية؟. المهم في منظار اية موازنة بالمعنى الوطني الاستراتيجي وليس الاستهلاكي الآني الفئوي ، هو : تقليل العجز المالي الى حد الإلغاء والشروع من نقطة تصفير العجز. وتقليص ،الى ابعد درجة، الصرف على القطاعات التي لاتعود بتمويل جزئي لذاتها وتدوير قابلياتها المالية. ثمّ زيادة الاحتياطي المالي للبنك المركزي ليبلغ ضعف موجوداته في خلال سقف زمني يستند على التقدم في الفقرات التي سبقت ذلك. واخيراً التفكير الجدي في انشاء صندوق سيادي لجيل مابعد النفط او لمواجهة الازمات المصيرية الكبرى. سوى ذلك ، يعني ان الموازنة هي مجرد صورة مكبرة لدخل البقّال التعيس.