نحن الشرق الأوسطيين ، عربا و مسلمين ــ عموما ــ مغرمون
بكثرة الكلام ، بل يمكن القول نحن أكثر الشعوب و الأقوام كلاما و أقوالا و كتابة ، بدون أي ملل ، كذلك بإعادة ما نقوله ألف مرة و مرة ، بلا كلل أو عجب ، معتقدين بأننا بذلك أنما قد قمنا بواجبنا و برأنا ذمتنا من الواجبات الملقاة على عاتقنا ، وهو الشعور المخادِع
و المغري الذي يدفعنا إلى المضي قدما و حثيثا في زيادة القول و التوغل في اسهابه و أطنابه ، و الانغماس اليومي في غزارة القول و الكتابة وصناعتها المجانية ، سيما بعدما وفرّت لنا وسائل التقنية المتقدمة في سرعة النشر والترويج الصاروخيين !!..
هذا بالنسبة للكثير الذين يزوالون و يمارسون أنواع القول
أو الكتابة يوميا أو أسبوعيا ، أما القراء المفتونون بكثرة القول و الحكي فهم أيضا يعجبهم هذا الأمر و يدغدغ مشاعرهم ــ كضرب من ضروب خداع ذاتي ــ فيسمعون أو يقراءون كلاما يعجبهم في مدح أو ذم هذا و ذاك من ” شخصيات عامة ” أو نقد ظاهرة سلبية مثل ظاهرة الفساد و
سوء والخدمات ، فيسمعون أو يقرأون وثم يهدؤن ، حتى يشعر القوّال والحكواتي أنه قد أدى واجبه على أحسن ما يرام و كذلك الأمر بالنسبة للمستمع المولع بكثرة الكلام من حيث التنفيس عن الاستياء و السخط !! ..
كل هذا ، دون أن يخطر لا على بال هذا ، و لا على بال ذاك
، أنه سبق له أن قال هذا الكلام أو كتبه الآف مرات ومرات ، وأن الآخر ــ المسمتع ــ قد سبق له أن قرأه أو سمعه ملايين مرات عبر صحف ومواقع وفضائيات ..
ولكن مع ذلك لا يملّون ولا يضجرون …
أما السبب أو الدافع ؟ :
فهو قلة الفعل المفيد و العمل البناء . والعجز عن التغيير
الإيجابي نحو الأحسن و الأفضل ..
لأننا يستهوينا القول بجماله ويفتتنا بسحر خفي و جذاب آسر
لا يشعر به غيرنا نحن الشرق الأوسطينيين ..
أما العمل الجدي و الخلاّق النافع فهو سرعان ما يضجرّنا
فنهرب منه إلى القول الجميل و الحكي الطويل لأنه لا يكلفنا جهدا أو تعبا !!..
و كأنما مؤلف ألف ليلة و ليلة قد أدرك هذا الأمر فسبقنا
بمئات سنوات !!..
فنفرط في القول و الاستماع إلى القول ، منكفئين في الوقت
نفسه نحو الماضي الغابر ، ذلك الماضي المغبر ببؤسه وسقمه ، و الذي ما كان يوما جميلا ، حتى يعتد به المرء أو يحّن إليه ..
طبعا ، ولا الحاضر الآني رائع إلى حد الافتخار به ..
علما أن الكلام ذات المضمون الجيد والهادف يمهّد الطريق
للفعل الجيد ولكن لن يكون بديلا عنه ..
مهدي قاسم