من قال إننا نختلف عن النمل
هادي جلو مرعي
يعصف بنا الغرور الى الحد الذي نتوهم فيه إننا فوق الشبهات، فوق قانون الأشياء، فوق بقية الأشياء، حيوانات مختلفة أكثر رقيا، نتفوق على الحشرات والنمل والكلاب والخراف والنوع الحيواني بالكامل، قد نختلف عن النوع النباتي، لكننا لانختلف عن النوع الحيواني، ونحن في مقدمة القائمة تلك، ونتوهم إن تفوقنا في إدراك الأشياء والعقلنة يجعلنا أكثر رقيا بالرغم من قول بعضهم:
إن القرود ترقت لتنتج الإنسان المعروف حاليا الذي يعاني النكبات والصدمات. ماذا لو سكبنا الماء المغلي على مستعمرة من النمل، وماذا لو سكبنا بعضا منه في جحر للعقارب، كيف سيكون المشهد، وماذا لو سكبنا بعض النفط الأبيض على جسد عقرب أرعبتنا، وملأت قلوبنا بالرهبة؟
فجأة تتحول تلك المخلوقات الى كيانات فاشلة، ونشعر بنشوة الإنتصار والتفوق، لكن ماذا لو جاء تسونامي بفعل زلزال يضرب عمق البحر، وماذا لو ثار بركان عظيم، وسالت أودية بحممه، وماذا لو أمطرت السماء حتى فاضت الأنهار، وتصدعت السدود، وإنزلقت الأرض وخسفت في مكان، وماذا لو إهتزت تلك الأرض، وتسبب ذلك بإنهيار المباني السكنية على قاطنيها، وماذا لو هبت الأعاصير، والرياح العاتية؟ هل سيكون الإنسان بمنأى عن الهلكة والضياع والإنكسار، هل سيتجنب الأمراض القاتلة التي تصيب أعضاء الجسد, وتحوله الى شيء عديم الفائدة لاحياة فيه، هل يستطيع أن يتجنب ذلك الكائن الضعيف والمغرور غضب الطبيعة وهيجانها؟ في الواقع فالمخلوقات جميعها عرضة الى الدمار والموت والهلكة، وحين تحل الكارثة لايختلف الإنسان عن أخيه الحيوان.
ومثلما تجرف المياه قافلة النمل، يكون الإنسان عرضة لمياه متدفقة من الأنهار، أو أن تنزل من أعالي الجبال فتسحبه الى الغرق ويضيع الأمل في حياة جديدة، وحين تفتك فيه الأمراض ويعبث فيه الجوع والعطش، سيغادر كأي طائر، أو حيوان بري الى موضع جديد يجد فيه الأمان والطعام والمياه، وسيجد أن ذلك غاية مايتمناه.