من سرّب مسودة الموازنة؟
فم مفتوح .. فم مغلق
من سرّب مسودة الموازنة؟ – زيد الحلّي
حفلت الايام القليلة المنصرمة، بأنباء واقتباسات من مشروع قانون الموازنة المالية الاتحادية لعام 2021 واصبحت مادة للعناوين الرئيسة في الصحف والتلفاز والاذاعات، وشغلت المواطنين، صغيرهم وكبيرهم، في احاديث طغت عليها السوداوية، لشعورهم إنها تمس حياتهم اليومية بشكل مباشر، لاسيما مع ما اشيع ان الموازنة تضمنت سعرا مفاجئاً في صرف الدولار حيث اقترحت المسودة تثبيته بـ 1450 ديناراً للدولار الواحد، وتضمنت خفض المخصصات الممنوحة لموظفي الدولة، وفرض ضريبة على البنزين ووقود الطائرات بنسبة 20 حيث سيصبح سعر لتر البنزين 540 دينارا بدلا من 450 دينارا ورفع سعر وقود (الكاز) بنسبة 15 وتضمنت فرض ضريبة مبيعات 10 على جميع المولات التجارية والسكائر والسيارات والمشروبات الكحولية ومحلات الحلاقة الرجالية والنسائية وغيرها..ومع هذه الانباء (غير السارة) للمواطنين، بدأت الجهات الحكومية والبرلمانية، تتقاذف الكرة، باتجاهات مختلفة، لامتصاص حالة الصدمة والخذلان التي سادت الاوساط الاجتماعية، فور تناول مفردات الموازنة في الاعلام، وفي تصريحات النواب ، ما حدا بوزارة المالية ان تصدر بيانا، اعربت فيه عن “امتعاضها وأسفها العميق للنشر غير المصرح به عن مسودة مشروع موازنة عام 2021” وأشارت إلى أن إطلاقها لوسائل الاعلام قبل الأوان “هو عمل غير مسؤول إلى حد كبير ” فالموازنة حتى اللحظة قيد الدراسة في مجلس الوزراء.. الخ.وهنا، ترتسم علامة استفهام واسعة، امام الجميع.. ترى من هي الجهة التي سربت مسودة الموازنة الى الرأي العام واحدثت هذا القلق الذي ادى الى ارتفاع اسعار صرف الدولار الى حد قياسي لم يشهده طوال المدة الماضية، ما انعكس على ارتفاع اسعار مفردات السلة الغذائية للمواطن ؟اذا كان هناك من يقول، ان هذا التسريب ضروري، كي يطلع المواطن على ما ينتظره في لاحق الايام، فانا اقول، ان الموازنة ستعرض على البرلمان، ويمكن للمواطن ان يتابع مناقشاتها من على شاشة التلفاز بعد ان يستلمها من مجلس الوزراء.. بدلاً من ان تشيع فقراتها منذ الأن وتسبب هذا الحال الخانق والمربك في السوق المحلية، فالترابط بين قيمة الحرية، والقيم المتعلقة باحترام حقوق الإنسان وقيم المشاركة، وقيم العدالة، يؤدى إلى الإعلاء من مكانة ووضع المواطن تجاه دولته..ان الرحمة بالمواطن الذي بات اليوم يعيش هاجساً لا يحسد عليه مطلوبة، لكن بأسف شديد اقول يبدو إن أمناء الأسرار حاليا، أقل وجوداً من أمناء الأموال، فحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار، لأن إحراز الأموال تبقى منيعة بالأبواب والأقفال، لكن معرفة الأسرار، باتت سلعة سهلة الاعلان بغض النظر عن تداعياتها السلبية، ومن عجائب الأمور أن الأموال كلما كثرت خزائنها كان أوثق لها، أما الأسرار فكلما كثرت خزائنها كان أضيع لها.. ومسودة موازنة عام 2021.. خير مثال!