من رأس القوري
د. فاتح عبدالسلام
قال لي تعال اشرب الشاي معي وفهّمني كلمة واحدة صعبة على فهمي لها، لا تقع من لسان السياسيين في البلد، تظل معلقة كأنها قطعة من وحم امهاتهم على السنتهم التي تلوك الكلام في مناسبة ومن غير مناسبة.قلت: ها أنا معك، وما أطيب الشاي على القوري الزجاجي اللامع في هذا الشتاء الفاقع. وشربنا الشاي، وانتظرته يسأل عن الكلمة المحيّرة التي لا يفهم معناها وهي شائعة في أفواه الجميع منذ ثماني عشرة سنة نحيسة، لكنه لم يسأل، وصب قدحاً جديداً من الشاي الأسود الخارق للجمجمة، فقلت له، هاا أين سؤالك وماهي الكلمة التي دوّختك، لقد أوشكنا أن نقضي على القوري؟ كرعَ صديقي قدحَ الشاي الساخن، كأنّه يشرب شنينة لا تلسع فماً أو لساناً، وقال حائراً: يا أخي اكتشفت انها ليست كلمة واحدة محيّرة فقط وانّما هما كلمتان اثنتان.الكلمة الأولى هي الإصلاح. قل لي ماذا يريدون ان يصلحوا؟ وقل لي ما هو الفرق بين الإصلاح الذي كان يتغنى به، سنوات طويلة، كل يوم وكل ليلة، رئيس اسبق لا يعرف اليمين من الشمال ثمّ رئيس سابق لا يعرف الشمال من الجنوب وآخر لاحق لا يعرف هذا ولا يعرف ذاك، وبين الإصلاح الذي يقولون به اليوم انه سيخلصنا جميعا مما نحن فيه، ويريدون تطبيقه غداً؟قلت له: لو كنتُ أعرف انّ سؤالك عويص وانّ نيتك مشبوهة ما قبلتُ دعوتك على شرب هذا الشاي الكافر. قال: ألم أقل لك أنَّ السؤال محيّر وصعب و يستاهل أكثر من قوري؟قلت له: طيب، دعنا من هذه الكلمة، وأعطني الكلمة الثانية التي حيّرتك؟قال: كلمة الفساد.قلت له: هذه سهلة، الكلمة الأولى حبلت من كثرة الممارسين فأنجبت ابنتها الكلمة الثانية.قال وهو يضحك و يضرب كفاً بكف من السعادة: شوف الأمور كم هي بسيطة جدا في بلدنا، وكم كنتُ أنا واهماً، واعتقدت انّها عويصة. ونادى لي على قوري جديد، وقال: والله تستاهل.