مقالات

من دولة الإسلام إلى دولة الحكّام

البيض المسلوق في ديمقراطية الصندوق

(2)من دولة الإسلام إلى دولة الحكّام – منقذ داغر

في الحلقة السابقة اتضح لنا ان مفهوم الديموقراطية الليبرالية أو الاجتماعية في الغرب، والذي تم استيراده وأريد تطبيق مفهومه الصندوقي عندنا قد مر عبر مرحلة سيرورة ومخاض امتدا لقرون طويلة كان عالمنا العربي خلالها يعاني من عصرٍ حالك الظلام وبالغ التخلف في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وعندما بدأت دولنا الاستيقاض من سباتها العميق تبنت مفهوم الدولة القومية (العلمانية) كبديل عن مفهوم الدولة(الامبراطورية) الدينية العابرة للقومية الذي أمتد لقرون طويلة وعُدَّ سببا وراء التخلف الذي عانته هذه الدول،بخاصة في العهد العثماني. ولم يكن هذا الانموذج الذي تم تبنيه كطريقة للحكم نتاج تفاعل اجتماعي سياسي اقتصادي،بل نتيجة استيراد وتقليد لطريقة الحكم التي تمت بها ادارة المستعمرات العربية من قبل الاستعمارين البريطاني والفرنسي وحتى الايطالي،أو نتيجة تأثر بالفكر القومي الاوربي.فشهدت أغلبية الدول العربية أنموذجاً مسخاً من نماذج الحكم تزاوجت فيه الدكتاتورية القروسطية(من القرون الوسطى) مع الدولة القومية الويستفالية لعصر التنوير الاوربي، فكانت النتيجة الحتمية لهذا النمط الفوقي من الحكم هو الفشل الذريع، الذي غطت عليه وخففت من وطأته في العقود الاولى بعد الاستقلال حماسة الشعارات الثورية والقومية ومحاربة الاستعمار والصهيونية وسواها من الاطروحات التي استُثمرت كأفيون مخدر للشعوب بديلأً عن أفيون الدين الذي استُخدم لفترة طويلة لقمع الشعوب. فكان كل ما فعلته ثورات التحرير هو الانتقال بدولها وشعوبها من دولة (الاسلام) المزعومة الى دولة الحكام الموهومة.أن الديموقراطية الغربية كما شرحتُ بأيجاز كيفية نشوءها وتطورها في اوربا هي أنموذج أصيل للحكم لم يتم فرضه فوقياً من قبل جماعة او نظام وأنما جاء نتاجا لقرون من التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية. لا بل ان جذور هذه الممارسة في الحكم تجدها واضحة في التاريخ القديم لاوربا(العصرين اليوناني والروماني).ومن المهم جدا هنا الاشارة الى عاملين مهمين في تشكيل الديموقراطية الغربية المنضبطة أو المعتدلة،كما يسميها الكاتبان دارون أسيموغلو، وجيمس أ. روبنسون. لقد قالا في كتابهما الأخير، (المجاز الضيق) The Narrow Corridor أن سر هذا الاعتدال والانضباط في الديموقراطية الغربية هو المزج بين قوتين متعارضتين هما الانضباط والتنظيم الموروث من الممارسات الرومانية، وبين ممارسات تحدي السلطة المطلقة للحكام أوالقيادات التقليدية سواء في اليونان او لدى القبائل الاوربية الشمالية أو تحدي سلطة الكنيسة أوالدولة.فالديمقراطية الغربية هي ديموقراطية منضبطة لانها وازنت بين الحاجة للامن والاستقرار والحاجة للحرية ومنع التسلط. لقد تكامل البعد التاريخي في نشوء وتطور الدولة الغربية(البعد المؤسسي) مع التطور الثقافي للمجتمعات التي تحكمها تلك الدول(البعد الوظيفي)، فأنتجا أنموذجاً على الرغم من ثبات نجاحه الى الان،لكنه لا يزال خاضعاً للنقد والتطوير المستمرَين. أما في عالمنا العربي وفي العراق تحديداً فأن الحال كان أشبه بأستيراد الهواتف النقالة الذكية، لشعب يعاني من الامية وضعف التعليم والافتقار للبنية التحتية اللازمة لتشغيل تلك الهواتف. حينذاك تكون النتيجة هي عدم استثمار سوى نسبة قليلة من امكانات تلك الهواتف المتطورة متصورين ان العيب هو في الاجهزة وليس فينا! هل هذا يعني اننا كشعوب او ثقافة لا نصلح للديموقراطية؟ هل العيب فينا،أم في الديموقراطية ذاتها؟سأحاول الأجابة على هذه التساؤلات في الحلقة القادمة.(يتبع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى