من ألبيرق إلى بيرقدار.. عصابة الأصهار تحكم تركيا بتفويض أردوغان
حين عين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في يوليو/تموز 2018، صهره براءت ألبيرق وزيرا للمالية، استقبل السواد الأعظم من الرأي العام المحلي الخطوة بتوجس وحذر.
قرار كان من الواضح أنه يرمي لتعزيز تموقع ذلك الشاب الذي يتصنع الهدوء والمتمكن من اللغة الإنجليزية، بدوائر القرار، وسط مخاوف من تحضيره لخلافة أردوغان وتوريثه الحكم.
وبعدها بأقل من عامين، يدخل صهر جديد لأردوغان إلى دائرة الضوء، عقب احتراق ورقة ألبيرق وسقوطها المدوي الذي أحرج الرئيس التركي واضطره لإبقائه في العتمة إلى حين انحسار إعصار الانتقادات على خلفية ما تفجر مؤخرا حول صراعه مع وزير الداخلية سليمان صويلو.
جرى تعليق دور الصهر الأول حتى إشعار آخر، وطفا إلى السطح اسم سلجوق بيرقدار، زوج سمية ابنة أردوغان، مرفوقا بأنباء تفيد بوجود ضغوط مستميتة لتوليه حقيبة الصناعة والتكنولوجيا، بدلا من الوزير الحالي مصطفى فارانك.
تختلف الأزمنة والأسماء، لكن تواتر الأحداث والأهداف يظل واحدا، وهو المحافظة على “إمبراطورية العائلة” عبر تشكيل عصابات للأصهار، وإطلاق أياديهم في الحكم والشأن العام، ضمانا لتمرير الصفقات المشبوهة، وحياكة المؤامرات والتعتيم على الحقائق، في وقت باتت فيه تركيا أشبه بمقاطعة تحكمها العصابات العائلية.
ألبيرق.. إمبراطور الفساد
معظم الشعب التركي لم يكن يعرف اسم ألبيرق قبل أن يبرز بقوة مفاجئة في بلاط أردوغان ومؤسسات الحكم بشكل عام، ليرتبط اسمه لاحقا بواحدة من أكبر فضائح الفساد والإرهاب، عقب نشر تسريبات في 2013 أثبتت عقده صفقات مشبوهة في تجارة النفط مع تنظيم داعش الإرهابي.
القصة زلزلت الأرض لارتباطها بتغذية أشرس تنظيم إرهابي في العصر الحديث بالتمويلات اللازمة عبر شراء نفطه، ليعبث بأمن سوريا والعراق ويحصد حياة ملايين الأبرياء.
آنذاك، انتبه الأتراك إلى ذلك الشاب الذي يتصنع الهدوء والابتسامة المستمرة، وانقلبوا يفتشون في سيرته الذاتية مدفوعين بفضول اكتشاف الرجل الذي اخترق فجأة المشهد لكن من أصغر أبوابه.
تكوينه الأكاديمي في مجال الأعمال أهله لشغل مناصب عديدة بمؤسسات مالية، وأصبح في 2007 الرئيس التنفيذي لشركة شاليك ـ ألبيرق القابضة حتى عام 2013، قبل أن يدخل عالم السياسة من بابه الكبير، مدعوما من أردوغان.
سريعا، دخل البرلمان، وحصل على عضوية حزب العدالة والتنمية الحاكم، ثم وزيرا للبترول والثروات الطبيعية في حكومة أحمد داوود أوغلو عام 2015، في صعود صاروخي لافت للشاب المغمور الذي تزوج من إسراء ابنة أردوغان في 2004.
تسلمه لوزارة النفط جعل الشبهات تحوم حوله بشأن ملف تجارة النفط مع داعش، خصوصا أن المعارض فتح الله غولن سبق وأن اتهمه مباشرة وبلال نجل أردوغان الأكبر بالتورط مع التنظيم الإرهابي.
اتهامات حاول الإعلام الموالي لأردوغان نفيها بشتى الوسائل، غير أن تسريب رسائل البريد الإلكتروني الخاص بصهره ونشرها عبر موقع ويكيليكس، شكلا فضيحة استعرضت للرأي العام حقيقة ما يجري في كواليس الحكم.
وأظهرت الوثائق التي تمتد من أبريل/نيسان 2000 حتى 23 سبتمبر/أيلول 2016 محاولات السيطرة على الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لصالح الحزب الحاكم، ودور ألبيرق في كل المؤامرات التي تحاك لإخضاع المعارضين وإلجام أفواه المنتقدين.
الوثائق أظهرت أيضا أن ألبيرق دخل في علاقة مع “داعش” وتورط في تهريب نفط التنظيم إلى تركيا، وهي التجارة التي تمول عملياته الإرهابية.
ولمواجهة الفضيحة، حصد أردوغان جميع الرؤوس التي اشتبه بعلاقتها بالتسريبات، وشن حملة اعتقالات محمومة شملت أي صحفي تداولها أو نشرها أو حتى تحدث عنها عبر مواقع التواصل، ثم ترك الأمر للوقت معتقدا أن ذاكرة الشعوب القصيرة ستنسى بمجرد تداول حدث جديد.
لكن ارتدادات الحادثة ألقت بظلالها على ألبيرق ولامست أردوغان الذي ظل مع ذلك متشبثا بصهره، إلى حين كان عليه القيام باختيار صعب بين ألبيرق ووزير داخليته سليمان صويلو.
فبرفضه استقالة وزير الداخلية مؤخرا على خلفية قرار حظر تجوال ارتجالي، بدا أن أردوغان تخلّى عن صهره، واختار الانحياز لصويلو لينقذ نفسه وليتلافى انشقاقات جديدة في حزبه، وسط أنباء تتحدث عن هوة الخلافات المستعرة بين ألبيرق وصويلو، التي انتهت على ما يبدو بخروج الصهر من الحلبة.
بيرقدار.. الصهر الثاني
رغم الأزمات الطاحنة ووباء كورونا القاتل، والفشل الذريع لألبيرق في منصبه، فإن أردوغان لا يزال مصمما على زرع المقربين منه بمفاصل الدولة حتى باتت شبيهة بقبيلة تقودها عائلة نافذة.
ويتجه الرئيس التركي لتعيين صهره الثاني سلجوق بيرقدار، وزيرا للصناعة والتكنولوجيا خلال التعديل الوزاري المنتظر، بدلا من الوزير الحالي مصطفى فارانك الذي لا يحظى بتأييد مجموعة البجع الموالية لأردوغان داخل حزب العدالة والتنمية.
توجه قد يتحقق لحسم الجدل المتصاعد في الآونة الأخيرة، في خضم الانشقاقات والخلافات التي تعصف بالحزب الحاكم بين جناح ألبيرق المدعوم من مجموعة البجع، وصويلو المدعوم من التيار القومي، إضافة إلى تيار ثالث تابع لوزير العدل عبدالحميد غل.
وتمهيدا لدخوله للحكومة، كثف الإعلام الموالي لأردوغان من تناول أخبار سلجوق، والترويج له على أنه “الذراع” التي تمتد لمساعدة الأتراك في النجاة من كورونا عبر تصنيعه أجهزة طبية لمواجهة أزمة الفيروس، تحسبا مما قد يسببه تعيينه بالحكومة من انتقادات.
لكن حتى هذا الصهر الثاني لم ينج رغم كل محاولات إبعاده عن الانتقادات، من فضيحة عقب تقرير لصحيفة “بيرجون” المحلية كشفت فيه أن وزير الدفاع السابق فكري إيشيك وافق على تمويل شركة “بيرقدار” التقنية بأكثر من 36 مليون دولار لتصنيع 6 طائرات مسيرة.
ونشرت الصحيفة التقرير تحت عنوان: “الحرب تجعل الفقراء شهداء بينما تدر على صهر أردوغان ملايين الدولارات”، في إشارة إلى الأموال الطائلة التي يغدقها أردوغان من خزينة الدولة على شركة صهره، وعلى طائرات مسيرة تساقطت بشكل مخزٍ بدفاعات الجيش السوري، ما يؤكد ضعف إمكاناتها وفشل تصنيعها.
وضع أردوغان ألبيرق مؤقتا على كرسي الاحتياط، ودفع بصهره الثاني إلى الحلبة، أملا في جولة جديدة يرنو من ورائها إلى تحقيق مكاسب سياسية، مع أن محللين يجزمون أن العصابات التي يشكلها مع أصهاره ستكون المعول الذي يحفر قبر حكمه بالسنوات القليلة المقبلة.
متابعة / الأولى نيوز