ملاحظات حول مسودة مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2023 (الجزء الأول)
د.أحمد حسين ناصر
أشارت مسودة قانون الموازنة العامة لعام 2023 إلى ان أجمالي التقديرات للإيرادات العامة، قد تبلغ (134.552) ترليون دينار، علما ان أجمالي التقديرات للإيرادات النفطية (117.252) ترليون دينار، وتبلغ نسبتها (87%) من أجمالي الإيرادات، وان أسعار النفط مقدره على أساس ان سعر البرميل الواحد (70) دولار، ولدينا في ذلك ما يلي:-
1. ان الإيرادات النفطية محكومة بعدة محددات، أولها بأسواق وأسعار النفط العالمية، وثانيهما محددات الإنتاج والتصدير النفطية والتي تتمثل بالعوامل الداخلية والعوامل الخارجية والمتمثلة بمحددات اوبك بلس (POIC+ )، وثالثهما بقيمة وكميات صادرات إقليم كردستان والصراع السياسي بين المركز والاقليم، وأخيرهما مرتبطة بنسبة الإيرادات النفطية إلى أجمالي الإيرادات، حيث ان واقع الحسابات الختامية المنشورة على موقع وزارة المالية للسنوات (2003-2021) تشير ان نسبة الإيرادات النفطية إلى أجمالي الإيرادات لا تقل عن (90%) سنويا. كل هذه المحددات وغيرها، تقود إلى ان تقديرات سعر النفط للبرميل الوحد (70) دولار فيه شيء من المبالغة.
2. ان التوقعات الاقتصادية والسياسية (الحرب الروسية الأوكرانية، التنافس الحاد بين الولايات المتحدة والغرب من جانب والصين من جانب آخر، قضية تايوان) تشير إلى ان هنالك ركود اقتصادي عالمي لا محال او بعبارة اكثر دقة انخفاض بالطلب العالمي على النفط، بسبب التكتلات العالمية الجديدة وتداعيات ترك التعامل بالدولار، وبالتالي عدم مقدرة العراق على تسديد التزاماته الخارجية فضلا عن الداخلية، هي عوامل أخرى تضع تقديرات سعر النفط للبرميل الوحد بـ (70) دولار مبالغا فيه.3. أما الإيرادات غير النفطية، فقد تبلغ حسب التقديرات (17.300) ترليون دينار، وتبلغ نسبتها (13%) من أجمالي الإيرادات. علما ان الإيرادات غير النفطية المتحققة فعلا لعام 2022 لم تزد عن (7.658) ترليون دينار، مما يعطي مؤشر كبير ان هنالك مبالغة في تقديرات الإيرادات غير النفطية، خصوصا اذا ادركنا ان ارتفاع تحصيل الإيرادات غير النفطية إلى (17.300) ترليون دينار، يعني تحقيق ارتقاع بنسبة (126%) في تحصيلها(1).ويرتبط هذا الارتفاع على نحو كبير بارتفاع الضرائب على الدخول والثروات من (778.2) ترليون دينار عام 2022 إلى (357.6) ترليون دينار في موازنة 2023 و ارتفاع الضرائب السلعية ورسوم الإنتاج من (133.1) ترليون دينار عام 2022 إلى (731.2) ترليون دينار في موازنة 2023 فضلا عن الارتفاع الكبير لحصة الموازنة من أرباح القطاع العام من 641 مليار دينار عام 2022 إلى 300.3 ترليون دينار في موازنة 2023 .
في الحقيقة هناك شبة إجماع بين المؤسسات الاقتصادية الدولية على ان الاقتصاد العالمي سوف يتعرض إلى تراجع حاد، فعلى سبيل المثال، يشير البنك الدولي في تقريره عن الآفاق الاقتصادية العالمية لعام 2023 إلى أن معدل النمو العالمي سيتباطأ بشدة ليصل إلى (1.7%) خلال 2023. حيث سيكون تراجع النمو عمومًا حادًّا وذلك من خلال انخفاض توقعات النمو لتصل إلى (95%) في الاقتصادات المتقدمة ونحو (70%) من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.
(2). أما صندوق النقد الدولي أشار في تقريره لعام 2022 إلى أن الاقتصاد العالمي يواجه حاليا أكبر اختبار يتعرض له منذ الحرب العالمية الثانية، نتيجة إلى ارتفاع التكاليف الصحية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن جائحة كارونا، وكذلك الانعكاسات المباشرة التي لحقت بالاقتصاد العالمي في نهاية عام 2021 جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وخاصة الارتفاع الحاد لأسعار الغذاء والوقود.
(3). وقد توصل تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الصادر مطلع 2023 والخاص بالمخاطر العالمية، والذي ارتكز على آراء 1200 خبير وفاعل سياسي، إلى أن الصراعات والتوترات الجيوستراتيجية أنتجت مخاطر جديدة ومتداخلة، وأكد أن هذه المخاطر التي ستؤثر على نمو الاقتصاد العالمي تجمع بين مخاطر آنية كأزمتي التزود بالطاقة والغذاء، وغلاء المعيشة، يضاف إلى ذلك المخاطر الطويلة الأمد كتلك المرتبطة بالتغير المناخي والتنوع البيولوجي والاستثمار في رأس المال البشري. يرى الاقتصادي نورييل روبيني Nouriel Roubini (لقب روبيني بـ”الدكتور الكارثة” لتكهنه بحدوث العديد من الأزمات الاقتصادية) ان التهديدات الكبرى التي تشمل العوامل الاقتصادية والعوامل البيئية والتوترات الجيوسياسية وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي فإنها تعد من بين أهم المخاطر على المدى القريب. أن الاقتصاد العالمي مقبل على مرحلة تضخم مصحوبة بركود اقتصادي، وتعد الحرب في أوكرانيا والتضخم وهاجس الأزمة المالية التي لا يمكن التنبؤ بوقت حدوثها بدقة من أهم المخاطر على المدى القريب.