مغادرة المستنقع الى المستقبل
د.فاتح عبدالسلام
الهجمات الاخيرة لتنظيم داعش قرب كركوك، كشفت عن وجود فراغات أمنية بل ثغرات، لم يعد اكتشافها وتشخيصها حكراً على الخبراء، تقع بين القوات العراقية وقوات البيشمركة في مناطق لا يزال الجدل السياسي يدور حولها من دون حسم، في حين انَّ هناك عدواً يجيد لعبة استغلال الفرص واللعب على أوتار الخلافات. والمسألة لا تقف عن هجوم في مخمور الفاصلة بين نينوى وأربيل أو محيط كركوك، وإنّما قد تمتد الى مناطق اخرى لا تزال أوكارَ اختباء للتنظيم الذي سيطر على تلك المساحات الجغرافية ثلاث سنوات وتغلغل في تفاصيلها. ما تحدّث به رئيس اقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني في أول حديث خاص موجه للعراقيين قبل أيام عبر شاشة الشرقية، كان استراتيجياً بمعنى الكلمة في التمسك بالعمل لإقرار علاقة مصيرية بين العرب والكرد في رسم مستقبل البلد من دون ترك أي مجال لحدوث انهيارات في العلاقة تعود بنا الى وضع الخندقين. لكن ذلك أمامه طريق طويل، ليس من جهة الشعب العراقي المتلاحم في روحه ووجوده، بل بسبب تباينات سياسية لا تخفي عدم نضوج في أكثر من منعطف وجهة وحزب وشخصية، لاسيما لدى العقليات الانطوائية المتشربة بالعوامل الخارجية التي كانت تعيش في مخاضات المعارضة ما قبل احتلال العراق وقيام نظام سياسي جديد، فتلك مستنقعات مليئة بطفيليات المصالح الضيقة والاحقاد الدفينة والنيّات المسبقة السوداء، وقد تسللت الى مراكز مهمة في القرار السياسي في خلال ثماني عشرة سنة من عمر العراق. الاتفاقات الرأسية لا تكفي ايضاً وحدها لإقرار وضع استراتيجي ثابت بين مكونات الشعب العراقي، ولابدّ من الانفتاح على النُخَب الفكرية والثقافية والعلمية والاجتماعية لتحويل اي اتفاق الى وجود محمي من أعماق المجتمع، وليس مجرد منتجات سياسية داخل المنطقة الخضراء. لابدّ من ظهور الاعتراف من جميع الاطراف بوجود أخطاء سابقة وحالية حان وقت تجاوزها بشكل نهائي من اجل رسم خارطة الاستقرار النفسي والمعيشي والأمني لجميع المواطنين تحت علم واحد. وفي حال فشلت هذه الرؤية في التحوّل الى مسار عمل ناجز، فإنَّ العراق سيكون قابلاً على القسمة، حتى لو كان هناك رفض اقليمي ودولي لذلك. ولا نقصد هنا، التقسيم ما بين اقليم كردي وبقية العراق، وإنّما هناك تقسيمات أكثر تفصيلاً سوف تبرز عندها بقوة.