مع قصص لافتة ومثيرة.. مصحف عمره أكثر من 7 قرون في قرية عراقية
في إحدى القرى في محافظة السليمانية بإقليم كردستان، يحتفظ أحد سكانها بمصحف قديم جدا يقال إن عمره يعود لأكثر من 700 سنة وكتبه رجل دين بخط اليد. وتدور حول المصحف كثير من القصص؛ منها اعتراف كثير من الأشخاص بذنوب أو أفعال سيئة ارتكبوها عند تهديدهم بجلب هذا المصحف والقسم عليه، وبات يعرف بـ”المصحف القديم”.
وتكشف تفاصيل المصحف -الذي يبلغ طوله نحو 37 سنتيمترا وعرضه 26 سنتيمترا، ويزن نحو 2200 غرام- أنه مخطوط على نوع نادر من الورق، استخدمت مادة الزيت ومواد أخرى لطلي الورق الذي يميل إلى اللون الأصفر المكتوب عليها السور والآيات، وهذا ما جعله مقاوما لتأثيرات الحرارة والرطوبة وحافظ على بقائه حتى الآن رغم مرور كل هذه الزمن.
قيمة كبيرة
وكُتبت آيات المصحف بالحبر الأسود، بينما استخدم اللون الأحمر لترقيم السور فيه، بالإضافة إلى كتابة شرح بسيط خاصة بكل صفحة عن الآيات والسور.
ويُمثل المصحف قيمة تراثية وتاريخية وجمالية وفنية، وهو لا يختلف عن أي نسخة أخرى من القرآن الكريم في شكله ومضمونه وكلماته وحروفه وحركاته كما يقول خضر عبد الله (66 عاما) الذي ما زال يحتفظ بالمصحف في بيته، توارثا عن أجداده.
ويشير عبد الله إلى أن المصادر التاريخية وكبار السن الذين عاشوا في القرية يؤكدون أن المصحف كُتب بخطّ يد رجل الدين المعروف آنذاك في القرية وأحد أكبر علمائها “الإمام داود”.
وكان سكان القرية يحتفظون بالمصحف في المسجد سابقا، والذي كان يحمل اسم كاتبه أيضا، لكن حصلت عدّة محاولات لسرقته من مجهولين، مع وجود محاولات من الجهات المعنية لأخذه والاحتفاظ به بالمتحف، لكن سكان القرية رفضوا ذلك لأكثر من مرة، معتبرين أنه إرث حضاري خاص بهم يلجؤون إليه للقسم أو الدعاء أثناء وقوع المشاكل والكوارث على قريتهم، وهذا ما دفع عبد الله إلى الاحتفاظ به حتى الآن في بيته ومنع تسليمه لأي جهة حكومية.
أبرز القصص
وللمصحف عدة قصص لافتة ومثيرة تتعلق بالسرقة والكذب وغيرهما قام بها أشخاص سواء من سكان القرية أو من القرى المجاورة وحتى البعيدة منها.
وما زال عبد الله يستذكر حادثة كان شاهدا عليها قبل سنوات؛ وهي لشاب أنكر سرقته لحاجة في القرية وحلف على ذلك عدّة مرات، لكن عندما جاؤوا بالمصحف المذكور وطلبوا منه القسم عليه بأنّه لم يسرق، بكى وانهار واعترف بفعلته قائلا “نعم أنا سرقت، لكن أرجوكم أبعدوا عني هذا المصحف”، وذلك لمكانته الكبيرة لدى سكان القرية وغيرهم.
تعدّ القرية المذكورة إحدى أقدم القرى التاريخية في كردستان العراق، وما زالت تضم قبورا بأحجام كبيرة يعود تاريخها لقرون سابقة، لكن عدم تسليط الضوء عليها والاهتمام بها من الجهات الحكومية جعلها من المناطق المنسية، كما يقول عثمان مارف (58 عاما) وهو أحد وجهائها.
وما زال مارف يستذكر قصة حدثت عندما كان صغيرا أثناء تعرّض قريتهم للقصف والتهجير في نهاية السبعينيات من القرن المنصرم، كيف خاطر أحد الأشخاص مهرولا باتجاه المسجد أثناء قدوم قوة عسكرية كبيرة وسط غبار كثيف مع انتشار رائحة البارود في كل مكان والقصف المستمر لإخراج المصحف من المسجد ومنع احتراقه بفعل القصف المدفعي العنيف الذي تعرّضت له القرية وقتذاك، وغيرها الكثير من القصص الأخرى.
من جانبه يقول المدرس زانا جوهر -وهو من الأشخاص الذين تعلموا القراءة والكتابة في صغره بفضل هذا المصحف بدروس كانت تُعطى في المساجد قبل عقود عدة في قريتهم- إنه يوجد كثير من الأشخاص يحملون الآن شهادات عليا تعلموا القراءة والكتابة من خلال هذا المصحف.
وينتقد جوهر الجهات المعنية لعدم إبداء أي رعاية أو اهتمام بالأماكن الأثرية والتاريخية التي تضمها قريتهم، ويقول لو كانت هذه النسخة من المصحف في أي دولة أخرى لأجريت عليها الكثير من الدراسات والأبحاث التاريخية لكشف المواد المستخدمة في كتابته وخصوصا الورق المستخدم فيه.