الاولى نيوز / بغداد
يختلف مشهد العراق الانتخابي في عام 2018، بشكل كبير عن مشهد العام 2014، وكذلك عن المشاهد الانتخابية التي سبقته في الأعوام 2005 و 2006 و 2010.
والاختلافات هنا لا تنحصر في اطار مسميات وعناوين معينة، وفي مرشحين جدد، وقوائم ذات برامج واأطروحات تنطوي على شيء جديد، بل ان الاختلافات تكمن في تشضي كيانات كبيرة، وبروز اصطفافات وتحالفات تبدو غريبة الى حد كبير، وحصول انتقالات وتحولات غير محكومة بأطر حزبية أو قومية أو مذهبية يكون لها لون واحد.
ولعل اطلالة سريعة على القوى والكيانات الرئيسية الممثلة للمكونات الثلاثة (الشيعية والسنية والكردية) تكشف عن ذلك الأمر بوضوح.
فبالنسبة للمكون الشيعي، نجد أن هناك خمسة كيانات رئيسية، تشكل مجتمعة الخريطة السياسية لذلك المكون، وتتنافس على فضائه الاجتماعي الممتد من الجنوب مروراً بالفرات الاوسط والعاصمة بغداد، وأجزاء من مدن الوسط والغرب والشمال.
وهذه الكيانات الخمسة هي:
– “ائتلاف النصر” بزعامة رئيس الوزراء حيدر العبادي. وينظر الى هذا الائتلاف، على أنه شق من حزب “الدعوة الاسلامية”، ومعه قوى وأحزاب صغيرة، ويتوقع له إن لم يحصل على المركز الأول من حيث عدد أصوات الناخبين، فإنه بلا شك سيمثل رقما مهما ومؤثرا.
– “تحالف الفتح”، بزعامة الأمين العام لمنظمة “بدر” هادي العامري، ويتألف من المجلس الأعلى الاسلامي العراقي، بعد انفصال زعيمه السابق السيد عمار الحكيم عنه، وقوى الحشد الشعبي، وعناوين سياسية صغيرة من مكونات أخرى.
وفي بادئ الأمر، تحالف “ائتلاف الفتح” مع “ائتلاف النصر”، بيد أن اختلافات في جوانب فنية – كما قيل في حينه – حالت دون نجاح ذلك التحالف.
ويعول “تحالف الفتح” على المنجز الكبير الذي ساهمت قوات الحشد الشعبي في تحقيقه، ألا وهو الانتصار الكبير على تنظيم “داعش” الارهابي، وهذا عامل مهم جداً في توجيه بوصلة اختيارات نسبة لا يستهان بها من المواطنين العراقيين في انتخابات الثاني عشر من ايار – مايو.
– “ائتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء السابق والأمين العام لحزب “الدعوة” الاسلامية نوري المالكي.
ومع أن هذا الائتلاف شهد خروج كيانين مهمين منه وهما، منظمة “بدر”، والمستقلون بزعامة نائب رئيس الوزراء السابق حسين الشهرستاني، وقوى صغيرة أخرى، الا أنه وبحسب الكثير من القراءات والاستطلاعات، لن يكون رقما هامشيا وثانويا، ونقطة قوته الرئيسية تتمثل بزعيمه المالكي، الذي ما زال يمتلك شعبية وحضوراً يعتد به في الساحة.
– تحالف “سائرون”، وهو عبارة عن ائتلاف “التيار الصدري” بزعامة السيد مقتدى الصدر مع الحزب الشيوعي العراقي وقوى مدنية اخرى صغيرة. وفي واقع الامر، ينظر الى هذا التحالف على أنه العنوان الجديد للتيار الصدري، لذلك يرى بعض المراقبين ان حظوظه في الانتخابات المقبلة، سيكون لها حظوظ مشابهة للتيار الصدري في الانتخابات السابقة، مع فارق بسيط يمكن ان يضيفه المدنيون اليه.
– “تيار الحكمة الوطني” بزعامة رئيس المجلس الأعلى السابق السيد عمار الحكيم، وقد كان من المفترض ان يدخل هذا الكيان ضمن التحالف الواسع بين “ائتلاف النصر” و”الفتح”، الا أن ملابسات عديدة حالت دون حصول ذلك، وتبدو فرص تيار الحكيم غامضة، لأكثر من سبب، الأول يتمثل في أن مساحات جمهوره وجمهور المجلس الأعلى لم تنفرز بالكامل، لأنه لم يمر وقت طويل على حصول الانفصال (تأسس تيار الحكمة في 24 تموز – يوليو 2017)، والسبب الآخر هو أنه اضطر الى خوض الانتخابات منفرداً، وهذا أمر ينطوي على محاذير كبيرة بالنسبة لكيان حديث التشكيل رغم أنه يرتكز على الارث السياسي للمجلس الأعلى وزعاماته السابقة وتجربته الطويلة في العمل السياسي.
أما بالنسبة للمكون السني، فإن عنوانه الأبرز والأكبر، المتمثل بتحالف القوى العراقية، تعرض للتصدع والتشظي الى حد كبير، بحيث برزت عناوين جديدة منه وأهمها:
– تحالف “القرار العراقي” بزعامة نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي ومعه قوى وشخصيات سنية تتفاوت في حجم تأثيرها وحضورها، ومن المتوقع أن يحصد هذا الكيان نسبة كبيرة من أصوات جمهور المكون السني، دون أن يعني ذلك أنه سيتمكن من الامساك بزمام المبادرة بالكامل.
– “ائتلاف الوطنية”، بزعامة نائب رئيس الجمهورية الحالي والامين العام لحركة “الوفاق الوطني” اياد علاوي، وان كان الأخير ينتمي للمكون الشيعي، الا أنه محسوب على المكون السني، لأن ائتلافه يحمل هوية سنية – علمانية، ويرى مراقبون، أنه سيحافظ على ما يملكه حالياً من أصوات ومقاعد، لكن الأمر الجدير بالتوقف عنده هنا يتمثل في أن رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري، الذي خرج حديثا من عباءة “الحزب الاسلامي العراقي”، قرر التحالف مع علاوي لخوض الانتخابات المقبلة ضمن تحالف واحد، ولعل هذه واحدة من مفارقات وغرائب المشهد الانتخابي العراقي لعام 2018.
– “حزب الحل”، بزعامة جمال الكربولي، الذي قد لا تختلف فرصه كثيراً عن فرص تحالف “القرار العراقي”، علما أن جمهور الأخير يتمركز أساساً في محافظة نينوى، بينما يتحرك “حزب الحل” بصورة أساسية في اطار محافظة الأنبار.
– والى جانب هذه العناوين الرئيسية الثلاثة، هناك عناوين أخرى مثل “نينوى هويتنا”، و”الأنبار هويتنا”، والتحالف المدني الديمقراطي.
وفيما يتعلق بالمكون الكردي، فإن حاله يشبه الى حد كبير حال المكون السني، فالتحالف الوطني الكردستاني لم يعد له وجود حقيقي، لنكون أمام كيانين رئيسيين هما:
– قائمة “السلام الكردستانية”، وهي عبارة عن تحالف الحزبين الكرديين التقليديين، “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود البارزاني، و”حزب الاتحاد الوطني الكردستاني”، الذي يتولى رئاسته حالياً كوسرت رسول علي خلفا لزعيمه الراحل جلال الطالباني.
ولا شك أن شعبية ونفوذ وتأثير هذين الحزبين قد تراجع كثيراً خلال الأعوام الأربعة الماضية جراء عوامل عديدة.
– “تحالف الوطن”، ويضم كلًّا من “حركة التغيير” (كوران)، و”تحالف العدالة الديمقراطية” برئاسة القيادي السابق في الاتحاد الوطني برهم صالح، و”الحركة الاسلامية الكردية”.
ومع أن هذا التحالف لا يمكن أن يتفوق على الحزبين التقليديين، الا أنه يمكن أن يكون منافساً ونداً حقيقياً لهما، لا سيما وأنه يحوز على نقاط قوة جيدة.
واللافت بالنسبة للمكون الكردي، هو أن هناك برلمانيين وساسة أكراد قرروا ترك أحزابهم وخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة مع قوائم عربية، وهذا أمر غير مسبوق، ويطلق رسائل سلبية للأحزاب والقوى والشخصيات الكردية الكبيرة.
اضافة الى ما ذكر، فإن المشهد الانتخابي العراقي لعام 2018، يشتمل على قوائم تركمانية وكردية فيلية ومدنية ومسيحية مختلفة، من قبيل جبهة تركمان كركوك، والائتلاف الفيلي العراقي، وتحالف بغداد، وائتلاف الرافدين، وعابرون، وكفاءات من اجل التغيير.
والكيانات المشار اليها لا تمتلك إلا حظوظًا ضئيلة في التنافس الانتخابي، لذا فإنها على الأرجح ستجد نفسها مرغمة على الانضواء تحت مظلة كيانات وقوى كبيرة بعد الانتخابات.